اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 166
سننًا دينية واجبة التنفيذ[1]، ويساعد على تصويب هذا الرأي ما كان لمكة من مركز ديني محترم في نظر سائر العرب، وما كان من اهتمام عظيم لتقرير حرمة الحرم وحرمة الأشهر الحرم عند زعماء مكة وما كانوا يقومون به من أعمال في سبيل رعايتها[2].
ويرجح أن السعي الأول كان منهم؛ لأن فوائد الحج تعود في المقام الأول على أهل مكة الذين يقوم البيت في بلدهم وتقوم الأسواق العامة في منطقتهم أو حولها، ثم إن حرمة البيت تكسبهم حرمة ومكانة ممتازة بين العرب، وهذه المكانة هي التي هيأت لقريش الزعامة الدينية والأدبية، كما أنها استغلت هذه المكانة في السيطرة على التجارة بين الشام واليمن، مما عاد عليهم بالثروة الكبيرة والمنزلة الرفيعة، وأصبحت زعامة قريش زعامة حقيقية لا شك فيها قبل الإسلام, وبخاصة بعد فشل الأحباش في غزو مكة وارتداد جيشهم عنها، فقال الناس عنهم: أهل الله قاتل عنهم وكفاهم مئونة عدوهم[3]. وأبرز مثل يوضح زعامة قريش، هو أنها حين وقفت موقف المعارضة للنبي -صلى الله عليه وسلم-لم يجد استجابة لدعوته بين العرب، فلما ألقت قريش لواء المعارضة بعد فتح مكة سنة 8هـ؛ لم يلبث العرب أن دخلوا في الإسلام طائعين, فلم تأت سنة 10هـ حتى كان الإسلام قد انتشر في جزيرة العرب كلها، وحتى كان عمال النبي -صلى الله عليه وسلم- وجباة الزكاة قد انتشروا في كافة أجزاء الجزيرة كلها.
وإذا كانت الأشهر الحرم قد سنت للناس، وإذا كانت قريش والرؤساء الذين يعنيهم الأمر قد فكروا في فرض هذه الهدنة على العرب؛ فإنما كان ذلك لدوافع كبيرة وأحداث خطيرة؛ جعلت الرؤساء يستعدون لها ويتخذون الوسائل لدرء ما ينجم عنها من أخطار، ولعل ما أحاط بأطراف الجزيرة العربية من أحداث كتعرض اليمن للغزو الحبشي ثم سقوطها في يد الحبشة، وما تلا ذلك من محاولة الحبشة فرض سلطانها على منطقة الحجاز، ووقوع الأطراف الشمالية والشمالية الشرقية تحت نفوذ الروم والفرس، ونهضة عرب الشمال وقيامهم على التجارة وأخذهم مقاليد الزعامة العربية، كل هذا كان من البواعث والأخطار وأهمها. [1] دروزة: عصر النبي 211. [2] ابن هشام 1/ 144- 145. [3] نفسه 1/ 59.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 166