اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 165
يعتقدون بأن الإخلال بحرمتها وقداستها يجلب عليهم الشر والنحس، وكان الرأي العام العربي يثور لأي خرق لهذه الهدنة التي أصبحت جزءًا من حياة الناس ومن كيانهم الاقتصادي والاجتماعي والأدبي والديني.
وليس من اليسير تحديد أولية الأشهر الحرم، وتشير آيات القرآن إلى أنها قديمة سابقة على عهد البعثة بزمن طويل[1]، والأرجح أن تكون هذه الحرمة قد تقررت بعد وجود موسم الحج وتقاليده وأسواقه، وبعد وجود الموسم الديني لمضر في الحجاز بالنسبة لشهر رجب. والغالب أن يكون ذلك بعد سيادة قريش على مكة وتنظيم موسم الحج بها وتيسيره، أي بعد حكم قصي بن كلاب لمكة في منتصف القرن الخامس الميلادي، ولا بد أن الحج كان قد تعطل قبل ذلك أو ضعف، وحدثت أحداث جعلت أمن الناس غير مكفول, وتحدثنا الروايات عن صراع بين القبائل في مكة أدى إلى دفن بئر زمزم بها[2]، كما تحدثنا عن البغي واستحلال الحرمات الذي وقع بمكة، مما أدى إلى ضعف الحج إليها نتيجة للتنافس بين القبائل فيها والضاربة حولها، ونستطيع أن ندرك أن هذه الهدنة؛ لم تكن مرعية قبل حكم قصي، فقد تقاتل قصي بقريش وكنانة مع خزاعة في أيام الحج وفي منطقة الحرم[3]، ولم يذكر هذا القتال بالاستفظاع والاستنكار كما ذكرت الحرب التي وقعت بعد ذلك بين قريش وكنانة ضد هوازن وقيس، وعرفت بحرب الفجار نسبة إلى الفجور؛ لوقوعها في الأشهر الحرم [4]، وهذا مما يدل على أن هذه الهدنة لم تكن مرعية تمامًا قبل عهد قصي، وقد أدى صراع القبائل إلى اختلال الأمن وانقطاع وفود الحجيج أو ضعف قدوم هذه الوفود إلى مكة؛ وتعطلت مناسك الحج ومنافع الناس في موسمه وأسواقه، فحفز هذا ذوي السلطان والنفوذ من الزعماء والرؤساء إلى العناية بأمر الحج وتأمينه ففرضوا الأشهر الحرم، والأرجح أن فرض الأشهر الحرم كان من عمل الأحماس، الذين صار لهم بعض الامتيازات الدينية والتشريعية، والذين كان الناس يسيرون على ما يسنونه لهم ويعتبرونه [1] انظر سورة التوبة 36 البخاري 6/ 66. [2] ابن هشام 1/ 123 وما بعدها. [3] نفسه 1/ 135- 136. [4] ابن الأثير 1/ 359, الأغاني 3/ 162.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 165