اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 163
والحج وأسواقه كانت حافزًا لنشاط قريش التجاري, إذ هم يضربون في الأرض شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا لحمل التجارة بين هذه الجهات، ولمزاولة التجارة الداخلية في أسواق العرب، وفي موسم الحج في مكة. وإن هذه السنن التي فرضوها على العرب جميعًا هي في الحقيقة متصلة بنشاطهم التجاري؛ فإن الناس يطرحون أزواد الحل قبل الدخول في الحرام، حتى يبتاعوا أزوادهم من أهل مكة. وكذلك عدم السماح لهم بالطواف بأثوابهم وإنما عليهم أن يلبسوا المآزر الأحمسية وذلك حتى يشتروا ما يلزمهم من ذلك من قريش، وبذلك كانت توجد سوق نشيطة في مكة في موسم الحج لبيع الملابس، وتخصص بعض التجار في بيع الأطعمة[1]. وإذا كانت تضيف الحجاج ثلاثة أيام بمنى فليس ذلك بكافٍ، ثم إن الأغنياء من الحجاج لم يكونوا يشاركون في هذه الموائد العامة التي تقيمها قريش، والكل مضطر لشراء طعامه بعد ذلك. وإذا كان من الناس من يستعير ثياب الحمس أو يهداها؛ فليس الجميع كذلك، وكذلك لم يكن الكثير قادرًا على الاستغناء عن ملابسه لتكون: لقي بعد طوافه، ولا كلهم يرضى بالطواف عريانًا وبخاصة وإن كان منهم من يفعل ذلك؛ على أن قريشًا كانت تأخذ إلى جانب ذلك كله ضريبة تسمى الحريم من كل من نزل عليها، تأخذ بعض ثيابه أو بعض بدنته[2]. [1] الذهبي سير أعلام النبلاء 2/ 29. [2] جواد علي 4/ 218. شوقي ضيف: العصر الجاهلي50.
الأشهر الحرم وأهميتها
في الآيات القرآنية ذكر كثير للأشهر الحرم، ويستدل منها ومن الروايات أنه كان لهذه الأشهر الحرم أثر عظيم في حياة العرب وبخاصة في بيئة مكة قبل البعثة؛ فبينما تكون الحروب مستعرة، والغارات قائمة والناس مندفعين وراء عصبياتهم وثاراتهم، ويقف كل هذا حين حلول هذه الأشهر تعظيمًا لها واحترامًا، ويصبح الناس في هدنة عامة شاملة، ويتلاقى الناس في منطقة الحرم وفي خارجها فلا يكون بينهم شر ولا قتال، بل قد وصل تأثمهم لدرجة الصيد أثناءها؛ لما في ذلك من سفك الدماء.
والأشهر الحرم ليست معينة في القرآن بأسمائها، وكل ما ذكرته الآيات أنها أربعة أشهر[1]. غير أن الروايات المتواترة التي لم تنقطع قد عينتها بصورة يقينية وهي: [1] انظر سورة البقرة 197. التوبة 365.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 163