اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 162
ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط ولا يسلئوا السمن، ولا يدخلوا بيتًا من الشعر ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرمًا[1]. وهذه الأمور داخلية في باب التزهد؛ إلا أنهم اختصوا أنفسهم بالقباب الحمر تضرب لهم في الأشهر الحرم [2]. وكانت القباب الحمر علامة الشرف والرياسة.
وكانت فكرة الحمس صائبة؛ لأنها ترمي إلى إعزاز أهل الحرم، وتضمن سلامة القاصدين إليهم، وتحجز ما بين الأعداء وتشل أيدي المنتقمين والمتربصين فنشأ حق الالتجاء من حق الحمس، فكان الرجل لو جر جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يقرب، وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام أو في الحرم لم يتعرض له، وكان الرجل إذا أراد البيت الحرام تقلد من شعر فأحمته أي جعلته حمًى لا يقرب.
ثم إن الحمس فرضوا على العرب فروضًا حملوها عليها فدانت لهم بها وأخذت بما شرعوه لهم من ذلك، فقالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا جاءوا حجاجًا أو عمارًا، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس؛ فإن لم يجدوا طافوا بالبيت عراة، فإن تكرم منهم متكرم من رجل أو امرأة ولم يجد ثياب الحمس، فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل ألقاها إذا فرغ من طوافه ثم لم ينتفع بها، ولم يمسها وهو لا أحد غيره أبدًا، وكانت العرب تسمي تلك الثياب اللقي[3]. ولكن في أخبار التاريخ ما يدل على أن الطواف مع العري كان مبالغة في التقديس والتطهر، فبنت قريش فرضها هذا الذي فرضته على العرب على تلك العادة القديمة. وما زال حق الحمس يتطور حتى صار دينًا متبعًا.
كل هذا يعني أن قريشًا نظمت الحج والقدوم إلى مكة حسب ما تقتضيه مصلحتها الأدبية والمادية، وكانت تبتدع من الأمور ما يحقق لها الاحترام، ولبلدها القدسية عند العرب, وما يحقق لها الكسب المادي. [1] ابن هشام 1/ 219. [2] الآلوسي1/ 244. [3] ابن هشام: 1/ 219. البخاري 2/ 163.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 162