اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 161
شيئًا من الحل -أي الأرض التي وراء الحرم- كما يعظم الحرم، وقالوا: إن فعلتم ذلك استخفت العرب[1] بحرمكم؛ ولذلك ترك الحمس الوقوف بعرفة -لأنه خارج عن الحرم- والإفاضة منها مع إقرارهم بأنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم، ويرون لسائر الناس أن يقفوا عليها ويفيضوا منها [2] إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم؛ فليس ينبغي أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها كما نعظمها، نحن الحمس والحمس أهل الحرم[3]، فأظهروا بذلك شدة تعصبهم لبقعة من الأرض، وترفعوا أن يخرجوا عنها ولو كان في خروجهم إتمام لمشاعر الحج.
أقرب قريش هذا التقليد، ويقول ابن إسحاق: إنه لا يدري أكان ذلك قبل الفيل أم بعده[4]، والراجح أنه كان قبل الفيل وربما كان في عهد قصي بن كلاب الذي أقر وظائف مكة، وكان له من المنزلة الكبيرة ومن المكانة ما يسمح له بوضع هذا القرار حتى كان أمره كالدين المتبع في حياته وبعد موته. وأدخلت فيه كنانة وخزاعة، ومنحوا هذا الحق لمن ولد من العرب في الحرم، كما منحوه لمن ولد منهم -وقد كانوا يشترطون على من يتزوج منهم أن ينتقل إليهم، يرون أن ذلك لا يحل لهم ولا يجوز لشرفهم حتى يدان إليهم وينقاد ويتبع مبدأهم[5] -وذلك ليوطدوا صلاتهم بأصهارهم وحلفائهم؛ فاستحق الشرف بحق المولد كما استحقته قريش بحق الدم والأصل. وفي القوانين الدولية الخاصة الحديثة من يكتسب حق المواطنة بالدم، ففكرة الحمس إقرار لحق الوطنية بالانتساب للبقعة وامتياز لمن له هذا الحق. وليس معنى التحمس في الدين كما ورد في القاموس، فإن قريشًا تركت فرضًا هامًّا من فروض الحج تعصبًا للحرم مع أن هذا يتنافى مع دين إبراهيم. وإن الحمس قد ابتدعوا أمورًا من الدين تميزهم عن غيرهم، وتشير إلى ارتباطهم بالكعبة، وتؤكد تمسكهم بحرمة البيت الحرام وتعظيم الحج إليه؛ ليزيد ذلك في شرفهم وشرف البيت، وقالوا: لا [1] نفسه. [2] البخاري 1/ 163. [3] ابن هشام 1/ 216. [4] نفسه. [5] الأزرقي 1/ 115. العقد الفريد 3/ 320 وما بعدها. الآلوسي 1/ 242.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 161