اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 160
ونذور، فقد كان لا بد أن يضع أهله لهم وللقادمين إليه أنظمة وقوانين؛ لتنظيم الحياة, وتوفير الأمن وحفظ الحقوق وحماية من يفد إليه من الأذى. فالكعبة وهي بيت الله، أرض حرام لا يجوز البغي فيها ولا ارتكاب المعاصي واقتراف الآثام، والمدينة وهي في جوار بيت الله ذات حرمة وقدسية، وسكان البلد الحرام هم في حمى البيت وفي جواره؛ فلا بد من إنصافهم وإحقاق حقهم[1]. وهذا الإدراك قديم سابق على عهد قريش, فتذكر الروايات أن مضاضَ بن عمرو الجرهمي فكر في حماية التجارة والدفاع عن الأجانب جلبًا للغرباء والتجار، فقال في إحدى خطبه: وقروا حرم الله ولا تظلموا من دخله وجاء معظمًا لحرمته, وآخر جاء بائعًا لسلعته أو مرتغبًا في جواركم[2]، كما تروي أن عمروَ بن لحي زعيم خزاعة قد اتخذ من الإجراءات ما يرغب العرب في القدوم إلى مكة والحج إلى بيتها الحرام؛ فجلب الأصنام وأقامها في فناء الكعبة، كما كان يقيم موائد الطعام في موسم الحج حتى لقد قالوا: إنه كان يذبح عشر آلاف بدنة[3].
ولما صار الأمر إلى يد قريش بعد خزاعة نظم زعيمها قصي بن كلاب الوظائف المدنية والدينية بالمدينة المكية، وعمل على إنماء المدينة وتقرير كيانها، وتوسعت قريش فلم تكتف بتقرير حرمة المدينة في داخلها، بل جعلت لها مجالًا في خارجها، وجعلت هذا المجال حرمًا كحرمة المدينة نفسها، وأقامت له علامات يعرف بها, أي أنها حرمت المدينة وحفظت لها مجالًا فيما حولها. كما أقرت حقوق المواطنة لأهل هذا الحرم، وسمت المتمتعين بهذا الحق باسم الحمس.
ولفظ الحمس جمع مفرده أحمس، ومعناه ابن البلد وابن الحرم والوطني المقيم, والذي ينتمي إلى الكعبة والحرم؛ فهو امتياز لأبناء الوطن وأهل الحرمة وولاة البيت وقطان مكة وساكنيها. فقال القرشيون: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت وقاطنو مكة وساكنوها؛ فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلتنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا[4]، ثم جعلوا للحمس علامة وهي ألا يعظم الأحمس [1] جواد علي 4/ 207- 208. [2] الأغاني 13/ 105 "طبعة مصر". [3] ابن كثير 2/ 187. [4] ابن هشام 1/ 216. تفسير الطبري 4/ 108.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 160