اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 159
من تطور من الوثنية إلى الشرك، ثم اعتبار الشركاء شفعاء عند الله، ومن استنكار العرب لما بين الكتابيين من نزاع وخلاف، وتنديدهم بهم، وتمنيهم أو توقعهم بعثة نبي منهم، وحلفهم الأيمان بأنهم إذا جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم، ثم من ظهور طبقة الموحدين الذين أخذوا يشمئزون مما يعبد قومهم، ويطوفون الأرض وينشدون ملة إبراهيم ويتعبدون عليها أو على ما يظنون أنه هي[1]، ومن اقتباس العرب كثيرًا مما عند الكتابيين وغيرهم من معارف دينية وغير دينية.
ونستطيع أن ندرك ما استفادته قريش من هذا الاحتكاك والاتصال بين العرب الوافدين من مختلف الجهات العربية ومنهم من عرف الفرس ومنهم من عرف الروم، ومنهم من كان من اليمن وعرف الأحباش، في تطوير نظمها والأخذ بأسباب التقدم الأدبي والمادي.
وكان لأهل مكة خاصة ميزة ومركز يشعرانها بما عليهم من واجبات نحو الكعبة والحجاج؛ فقد كانوا يرون لأنفسهم حق الحرمة والميزة على العرب؛ بسبب اختصاصهم بكرامة البيت الحرام، ويعتبرون أنفسهم أهله وأولياءه[2]، كما كانوا يدركون مركز بلدهم وكرامتها وقدسيتها، وجعلها مثابة للناس وأمنًا لا يسفك فيها دم ولا يثار فيها نزاع ولا قتال؛ لذلك كانوا يتضامنون في القيام بواجبهم نحو وفود الحجاج من ترحيب وإكرام وقِرى؛ باعتبارهم ضيوف بيت الله في بلدتهم وهم سدنته الأقربون، وقد اختص بعضهم بسقاية الحاج واختص البعض بعمارة البيت[3]، والبعض بالقيام على رفادة الحجاج.
ولما كانت مكة بلدًا في وادٍ غير ذي زرع، وأنها تعتمد في حياتها على ما يجلب إليها من الخارج، وما يستطيع أهلها أن يحققوه لأنفسهم من منافع عن طريق البيع والشراء، والتبادل مع الوافدين عليها والمارين بها في رحلات القوافل التجارية, أو القادمين إلى الأسواق التي تقام فيها وحولها، وما يقدمه الحاج إلى بيتها من هدايا [1] ابن هشام 1/ 242- 251, ابن كثير 2/ 238. [2] انظر سورة الأنفال 34. [3] انظر سورة التوبة 17- 19.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 159