من المهاجرين فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "يا معشر الأنصار: ما قَالَةٌ بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم؟ ". ألم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قال: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل، ثم قال: "ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ ".
قالو: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل، قال: صلى الله عليه وسلم: "أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم، ولصدقتم، أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولاً[1] فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلاً[2] فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة[3] من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب النّاس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار[4]، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء [1] الخذل والخذلان ترك الإغاثة والنصرة (المصدر السابق 2/16 ولسان العرب لابن منظور 13/214 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 3/367) . [2] عائلاً: فقيراً: وآسيناك: أي جعناك كأحدنا، والمواساة: المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق، وأصلها الهمزة فقبلت واو تخفيفا. (النهاية 1/50 والقاموس المحيط 4/299) . [3] اللعاعة: بالضم: نبت ناعم في أول ما ينبت، يعنى أن الدنيا كالنبات الأخضر قليل البقاء (النهاية 4/254 ولسان العرب 10/195 والقاموس المحيط 3/81) . [4] وذكر الواقدي في مغازيه 3/958: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الأنصار ليكتب لهم بالبحرين كتابا من بعده تكون لهم خاصة دون الناس، فهي يومئذ أفضل ما فتح الله عليه من الأرض، فأبو وقالوا: ماحاجتنا بالدنيا بعدك يا رسول الله؟ قال: "أمالا فسترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإن موعدكم الحوض، وهو كما بين صنعاء وعمان، وآنيته أكثر من عدد النجوم". اهـ.
قلت: وإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار أن يكتب لهم كتاباً بالبحرين ثابت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك وليس فيه أن ذلك كان في غزوة حنين.
ولفظه: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، فقالوا: لا والله حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فقال: ذاك لهم ما شاء الله على ذلك يقولون له قال: "فإنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني".
وفي لفظ "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين، فقالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها" وفي لفظ "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرين، فقالوا: يا رسول الله إن فعلت فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فلم يكن ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني".
(البخاري: الصحيح 3/100 كتاب المساقاة، باب القطائع و4/78 كتاب الجزية، باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين الخ و 5/28 كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض وقال ابن حجر: "وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم - بعد قسمة الغنائم بالجعرانة - أرسل العلاء ابن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي عامل البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية وكان ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة" (فتح الباري 6/262. وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/263 و4/359-360، فهذا يدل على أن الكتابة للأنصار بالبحرين متأخرة عن غزوة حنين.