اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 306
ودعوة سعد الأخيرة تصوّر مبلغ ما انطوت عليه قلوب المسلمين من غيظ لخيانة يهود، وتمزيقها المعاهدة القائمة.
ومسلك بني إسرائيل بإزاء المعاهدات التي أمضوها قديما وحديثا يجعلنا نجزم بأنّ القوم لا يدعون خستهم أبدا، وأنهم يرعون المواثيق ما بقيت هذه المواثيق متمشية مع أطماعهم ومكاسبهم وشهواتهم، فإذا أوقفت تطلّعهم الحرام نبذوها نبذ النواة، ولو تركت الحمير نهيقها، والأفاعي لدغها، ما ترك اليهود نقضهم للعهود. وقد نبّه القران إلى هذه الخصلة الشنعاء في بني إسرائيل، وأشار إلى أنّها أحالتهم حيوانات لا أناسي، فقال:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) [الأنفال] .
ونقل سعد إلى خيمة بالمسجد لتقوم على تمريضه إحدى المؤمنات الماهرات.
وجاء المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه: هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر! قال: «نعم؛ اللهمّ استر عوراتنا، وامن روعاتنا» [1] .
وعن عبد الله بن أوفى: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم، وانصرنا عليهم» » .
والله تبارك وتعالى لا يقبل الدعاء من متواكل كسول، وما يستمع لشيء استماعه لهتاف مجتهد أن يبارك له سعيه أو دعاء صابر أن يجمّل له العاقبة.
وقد أفرغ المسلمون جهداهم في الدفاع عن رسالتهم ومدينتهم حتى لم يبق في طوق البشر مدّخر، فبقي أن تتدخل العناية العليا لتقمع صعر الظالم وتقيم جانب المظلوم.
ومن ثمّ أخذ سير المعركة يتطور على نحو لا يدرك الناس كنهه.
وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ [المدثر: 31] . [1] حديث حسن، أخرجه أحمد: 3/ 3؛ وابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أبي سعيد الخدري.
(2) صحيح، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 306