اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 307
ضاق الأعراب النازلون بالعراء ذرعا لهذا المقام الغريب، لقد خيّموا حول أطراف يثرب أياما لا تؤذن بدايتها بانتهاء، وهم لم يجيئوا ليستنفدوا قواهم أمام خندق صعب الاجتياز، وجبال رابط المسلمون أمامها، واستقتلوا دون أن يقترب أحد منها..
ثم إنّ الجوّ اغبرت أرجاؤه، وترادفت أنواؤه، وهبّت الرياح نكباء موحشة الصفير، تكاد في هبوبها تطوي الخيام المبعثرة، وتطير بها في الافاق!.
والصلة بين أولئك الحلفاء لا تغري بدوام الثقة، إنّ غطفان وقبائل نجد أقبلت يحدوها السلب والنهب، وهي قد قبلت العودة من حيث أتت عند ما أغريت ببعض ثمار المدينة لولا أن المسلمين كبر عليهم أن يطعموهم منها رهبا.
وماذا صنعت بنو قريظة؟
نقضت الموثق، ونكصت عن الهجوم منتظرة من العرب أن يقوموا هم به!.
إنّ يهوديا خرج يطوف بحصن للمسلمين، فنزلت إليه صفية بنت عبد المطلب فقتلته، ولا غرو، فهي أخت حمزة!.
وتلفّت أبو سفيان يمنة ويسرة، يتطلّب عونا على ما يبغي فلا يرى مأمنا، مما أوقع الوهن في قلبه وفي صفوف قريش معه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف هذا التصدّع الخفي في صفوف الأحزاب؟
فاجتهد أن يبرزه، ويوسّع شقته، ويستغله لجانبه، فلما جاء (نعيم بن مسعود) مسلما، أوصاه أن يكتم إسلامه وردّه على المشركين يوقع بينهم، وقال له: «إنما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنا إن استطعت، فإنّ الحرب خدعة» .
فخرج (نعيم) حتى أتى بني قريظة- وكان لهم نديما في الجاهلية- فقال: يا بني قريظة! قد عرفتم ودّي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت، لست عندنا بمتّهم، فقال لهم: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تحوّلوا منه إلى غيره، وإنّ قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم، وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 307