اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 304
لا يدرى أثمّ هم أم لا؟ - هل احتلوا البلد أم لا؟ - قال: ووجهوا نحو مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة، فقاتلها المسلمون يوما إلى الليل، فلما حانت صلاة العصر دنت الكتيبة- من المكان- فلم يقدر النبيّ عليه الصلاة والسلام ولا أحد من أصحابه أن يصلّوا الصلاة على نحو ما أرادوا.
وانكفأت الكتيبة المشركة مع الليل، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«شغلونا عن صلاة العصر ملأ الله بطونهم وقلوبهم نارا» [1] .
فلما اشتد البلاء نافق ناس كثير، وتكلموا بكلام قبيح.
ورأى رسول الله ما بالناس من البلاء والكرب، فجعل يبشّرهم ويقول:
«والّذي نفسي بيده ليفرجنّ عنكم ما ترون من الشّدّة! وإنّي لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق امنا، وأن يدفع الله إليّ مفاتيح الكعبة! وليهلكنّ الله كسرى وقيصر، ولتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله» [2] .
ووقع ثقل المقاومة على أصحاب الإيمان الراسخ والنجدة الرائعة، كان عليهم أن يكبتوا مظاهر القلق التي انبعثت وتكاثرت في النفوس الخوّارة الهلوع، وأن يشيعوا موجة من الإقدام والشجاعة تغلب أو توقف نزعات الجبن والتردد التي بدت هنا وهنالك، وطبائع النفوس تتفاوت تفاوتا كبيرا لدى الأزمات العضوض.
منها الهشّ الذي سرعان ما يذوب، ويحمله التيار معه كما تحمل المياه الغثاء والأوحال.
ومنها الصلب الذي تمر به العواصف المجتاحة، فتنكسر حدّتها على متنه وتتحول رغوة خفيفة وزبدا.
أجل! من الناس من يهجم على الشدائد ليأخذها قبل أن تأخذه، وعلى لسانه قول الشاعر:
تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدّما
ومنهم من إذا مسّه الفزع طاش لبه، فولّى الأدبار، وكلّما هاجه طلب الحياة وحبّ البقاء أوغل في الفرار. [1] حديث صحيح، أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث علي رضي الله عنه، وقال المقريزي في (إمتاع الأسماع) ، ص 234: «وهو حديث ثابت من طرق عنه» . [2] لم أجده الان.
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 304