كبت الحركة الاسلامية، وان أتباع هذه الحركة لم يبالوا بتحمّل أيما قدر من العنت، من مثل مفارقة ربوعهم الجميلة مؤثرين ذلك على التنكّر للاسلام، عقدوا العزم، سرا، على التخلص من الرسول، مصدر «البلاء» كله وسببه الجذريّ. وهكذا بذلت كل جهد مستطاع للقضاء على حياته من طريق المكر والحيلة، حتى إذا أخفقت هذه الخطة وطنّت قريش النفس على اغتياله في وضح النهار. ولكن القانون الاجتماعي في بلاد العرب كان يلزم كل قبيلة، بمثل عهد الشرف، ان تمنع كل فرد من أبنائها. فخشي القرشيون ان تفضي محاولة اغتيال الرسول إلى حرب أهلية. وهكذا لم يكن بد من الفوز بموافقة ابي طالب، عم الرسول وحاميه، قبل الاقدام على تلك الخطوة الدموية.
من أجل ذلك مشى رجال من أشرافهم، كان بينهم أبو جهل، إلى أبي طالب، ولكي يقنعوه بصواب خطتهم الشريرة خاطبوه على النحو التالي: «يا أبا طالب، ان ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفّه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإما أن تكفّه عنا، وإما أن تخلّي بيننا وبينه، فأنك على مثل ما نحن عليه من خلاف فسنكفيكه.»
بيد ان أبا طالب ردّهم ردا جميلا. وواضح ان التهم التي ساقوها ضد الرسول مبالغ فيها كثيرا. فهو لم يسبّ آلهتم في أيما يوم، ذلك بأن القرآن الكريم يحرم هذا الصنيع تحريما قاطعا: «وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ، كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.» * وفي امكان المرء ان يراجع القرآن الكريم من الدفة إلى الدفة- وهو الكتاب الذي احتفظ حتى اليوم بصفائه الأصيل كله سليما لم يمسّ- ليستيقن أنه لا يشتمل على كلمة واحدة تهين آلهة الكفّار. كلّ ما يقوله القرآن الكريم عن تلك
(*) السورة 6، الآية 108.