الالهية. لقد صعد الصّفا يوما ونادى: «يا معشر قريش!» قالت قريش: «محمد على الصّفا يهتف.» وأقبلوا عليه يسألون ما له؟
فسألهم الرسول: «هل سمعتموني ذات يوم أقول كذبا؟» فأجابوه بصوت واحد انهم لم يعرفوا منه غير الصدق والامانة. فسألهم الرسول:
«أرأيتم لو اخبرتكم ان خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقوني؟» فأجابوه مجمعين: «نعم! أنت عندنا غير متّهم، وما جرّبنا عليك كذبا قط.» قال: «فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. [يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، يا بني زهرة، يا بني تيم، يا بني محزوم: يا بني أسد. ان الله أمرني ان انذر عشيرتي الاقربين.
وإني لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبا إلا ان تقولوا:
لا إله إلا الله] ودعاهم إلى نبذ الوثنية، واجتناب الفواحش كلها، والايمان بوحدانية الله، وانتهاج سبيل الفضيلة. وعندئذ استبد الغضب بهم جميعا، ولكن ابا لهب كان أقساهم عليه وأشدّهم وطأة. [لقد نهض ابو لهب] فصاح: «تبّا لك سائر هذا اليوم، ألهذا جمعتنا؟» وأرتج على محمد فنظر إلى عمه، ثم ما لبث ان جاءه الوحي بقوله تعالى: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ.
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ.» * وشيئا بعد شيء أمست عداوة هذا الرجل للرسول أمرّ وأعنف. كان من دأبه ودأب زوجته أن يعذباه بكل وسيلة ممكنة. وفي أيام الحج، حين يجتمع الناس من كل حدب وصوب في بلاد العرب، كان الرسول يطوّف بينهم يدعوهم إلى الدخول في دين الله. وحيثما اتجه كان ابو لهب يمضي على آثاره، ويحرّض الناس أن لا يستمعوا له، لأنه مخالط في عقله.
وحين رأت قريش ان ايا من الاضطهاد واقامة العقبات لم يوفق إلى
(*) السورة 111، الآيات 1- 5.