الوجدانية البتة. فحين عرض على عبد الرحمن بن عوف من قبل أخيه الأنصاريّ أن يأخذ نصف ممتلكات هذا الاخ كلها، عبّر عن شكره لهذا الكرم، واجتزأ بسؤاله أن يدلّه على سوق البلدة حيث سعى في سبيل اكتساب الرزق، وما هي إلا فترة حتى أنشأ تجارة رابحة خاصة به. وعلى نحو مماثل انصرف سائر المهاجرين إلى العمل في حقل التجارة. اما اولئك الذين لم يجدوا ما يتاجرون به فقد عملوا حمالين عاديين، وبذلك لم يقيموا اودهم وأود أسرهم فحسب، بل اقتصدوا شيئا يقدّمونه إلى «بيت المال» ، أو الخزانة العامة، لكي ينفق في خدمة المجموع. وسرعان ما ازدهرت تجارتهم ازدهارا عظيما، فاذا بقوافل بعضهم التجارية تتألف كل منها من سبعمئة بعير. وذات يوم، وكانت السنة سنة جدب، وفد على الرسول ضيف، وإذ لم يجد في بيته مؤونة ما سأل أبا طلحة، وكان من صحابته، أن يكرم وفادته، حتى إذا مضى ابو طلحة بالضيف إلى بيته، اكتشف ان ما عنده من طعام لا يكاد يكفي أطفاله. وتفاديا لحرج الموقف أطفأ ابو طلحة الضوء، وقدّم إلى الضيف أيما شيء تيسّر له تقديمه، وجلس هو وزوجته إلى المائدة، مع ضيفهما- وكان هذا واجبا يفرضه حسن الضيافة- رواحا يتظاهران من طريق تحريك يديهما وفميهما، بتناول الطعام مع الضيف. وإذ كان ذلك الطعام يسيرا ما يكاد يقيم صلب الضيف وحده، فقد باتت الاسرة كلها، تلك الليلة، على الطوى. وبعد ذلك عرف المسلمون، بفضل من الله، أيام خصب ورغد، وشرعوا يحيون حياة رخيّة. ولكنهم سلكوا في كلتا الحالين، حال الشدة وحال الفرج، مسلكا رائعا. إنهم لم يتذمروا في الأولى البتة، ولم يبذّروا ثروتهم في الاخرى على الاطلاق. لقد