أنفقوها في سبيل الله: في مدّ يد العون إلى الفقير، والمعوز، واليتيم، وأهل الصّفّة الذين كان عملهم الأوحد الاصغاء سحابة يومهم إلى تعاليم الرسول، والتهجّد سحابة ليلهم لله. ومن هؤلاء انبثقت عصبة المبشرين والمعلمين الدينيين الذين حملوا مشعل الاسلام إلى مختلف البلدان ومختلف الشعوب. وكان ابو هريرة الذائع الصيت، والذي تحدّرت الينا من طريقه جمهرة كبيرة من أحاديث الرسول، واحدا من هؤلاء أيضا. وإذ لم يكن لديهم أيما مورد رزق، فقد كان من دأب الموسرين من المسلمين ان يدعوهم لتناول الطعام على موائدهم. وفي الأخبار أن سعدا وحده كان يستضيف في بيته تمانين منهم أحيانا.
وكانت المسألة الرئيسية الثالثة التي وجّه الرسول همّته اليها هي إقامة علاقات ودّية بين مختلف القبائل المقيمة في المدينة. وكان اليهود يتمتعون، ههنا، بسلطان غير يسير. كان من دأبهم ان يتحالفوا مع الاوس والخزرج، وان يشاركوا في حروبهم الطاحنة. ويبدو انهم كانوا من أصل عربي، ولكنهم شكلوا وحدة متميّزة بسبب من اعتناقهم اليهودية. وكانوا ينقسمون إلى عشائر ثلاث: بني قينقاع، وبني النّضيير، وبني قريظة. وكان باقي سكان البلدة من الاوس والخزرج، الذين كانوا يتفانون في حرب موصولة. واتفق، الآن، ان اعتنقت الكثرة العظمى من الاوس والخزرج الدين الاسلامي.
وهكذا عقد الرسول بين المسلمين واليهود ميثاقا هذه بنوده الرئيسية:
أولا، ان يتعايش المسلمون واليهود وكأنهم أمة واحدة. ثانيا، ان يلزم كل من الفريقين دينه وان لا يتدخّل في شوؤن الآخر الدينية.
ثالثا، يتعين على كلا الفريقين، في حال نشوب حرب مع فريق ثالث، ان يهرع لنصرة الآخر شرط ان يكون هذا الفريق هو المظلوم وان لا