اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 489
فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا من قوم يعظمون الهدي، ابعثوا الهدي في وجهه فبعثوها ترعى وهي معلمة، ومشعرة فلما رأى الحليس الهدي يسيل في الوادي، عليه القلائد، واستقبله القوم وهم يلبون، فلما رآهم تفلوا وشعثوا رجع، ولم يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إعظامًا لما رأى، فقال لقريش: إني قد رأيت ما لا يحل صده، رأيت الهدي معكوفًا عن محله، والرجال قد تفلوا وشعثوا يريدون أن يطوفوا بهذا البيت، أما والله ما على هذا خالفناكم، ولا عاقدناكم على أن تصدوا عن بيت الله من جاء له معظمًا لحرمته، مؤديًا لحقه، والهدي معكوفًا أن يبلغ محله، والذي نفسي بيده، لتخلن بينه وبين ما جاء به أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد.
قالوا: كل ما رأيت مكيدة من محمد وأصحابه فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا بعض ما نرضى به[1].
وهدأ المعسكر القرشي بعد ذلك، وتباطأ القرشيون في إرسال أحد بعد ذلك وأخذوا يتشاورون لاختيار حل للموقف الموجود، وليحققوا ضغوطًا نفسية على المسلمين تؤدي إلى انسحابهم، ورجوعهم عن مكة هذا العام.
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدوءًا وصمتًا في الجبهة القرشية فأخذ زمام المبادرة، وأرسل إليهم من قبله من يخبرهم أنه جاء معتمرًا لا غازيًا، وأن البيت بيت الله لا يصد عنه من يقصده فأرسل أولا خراش بن أمية الخزاعي، فعقروا الجمل الذي كان يركبه، وأرادوا قتله فمنعه قومه، فلما رجع أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث معه فواصل الرسول صلى الله عليه وسلم بعوثه إليهم، وأراد أن يرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخاف عمر وأشار إلى عثمان بما له في قومه من مودة وصلة فبعث الرسول عثمان فمنعه القرشيون من دخول مكة، فأجاره سعيد بن العاص، وحمله إلى مكة والتقى بالقرشيين، وأخبرهم أن المسلمين لم يأتوا لقتال، وإنما جاءوا معتمرين يسوقون الهدي، ويعظمون البيت فرفضوا السماح بدخول المسلمين وأشاعوا أنهم قتلوا عثمان رضي الله عنه، وحبسوا أخباره عن المسلمين[2].
وانقطعت أخبار عثمان عن المسلمين وبقي في مكة مدة تمكن فيها من الاتصال [1] إمتاع الأسماع ج1 ص288 الطبقات ج2 ص96، المغازي ج2 ص600. [2] المغازي ج2 ص601 الفتح الرباني ج21 ص102.
اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 489