اسم الکتاب : السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة المؤلف : العمري، بريك الجزء : 1 صفحة : 230
فلما رآهم عاصم انسحب بأصحابه إلى مكان مرتفع تجنبا للاشتباك المباشر –الذي كان فيه القضاء التام عليهم- فاللحيانيون يفوقونهم في العدد والعدة بكثير.
وما أن وصل القوم حتى أحاطوا بهم، ثم أخذوا يفاوضونهم على الاستسلام المشروط بالأمان إن هم نزلوا إليهم دون مقاومة، ولكن عاصم بن ثابت رضي الله عنه قائد السرية رفض ذلك العرض بشدة معطيا من نفسه القدوة لأصحابه وهو يقول: "أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كاف ر، اللهم أخبر عنا نبيك"[1].
وعلى الرجيع حصلت ملحمة جهادية رائعة في معركة غير متكافئة، سقط خلالها الأبطال عاصم وستة من رفاقه شهداء في سبيل الله بعد أن قاوموا ببسالة شديدة، لكن إرادة الله عز وجل جعلت الهذليين الكثر والمهرة في الرمي يصطادونهم بنبالهم التي حصدوهم من كل جانب.
"وبقي خبيب وزيد، ورجل آخر[2]، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم"[3]، ومعهم العذر في ذلك، لأن رفضهم الاستسلام هو حكم بالقضاء المبرم عليهم، ففضلوا الإبقاء على أنفسهم تحيُّزًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأملا في مدد أو نجدة تأتيهم من عنده تكون فيها قوة لاستئناف قتال يكون فيه ولو بعض التكافؤ ضد بني لحيان[4]، لكن اللحيانيين، وكما توقع عاصم من قبل غدروا بهم "فلما استمكنوا منهم حلُّوا أوتار قسيهم [1] المصدر السابق. [2] تذكر كتب المغازي أن اسمه عبد الله بن طارق. انظر ابن هشام، سيرة (3/171) والواقدي، مغازي (2/357) ، وابن سعد، طبقات (2/56) . [3] من رواية إبراهيم بن موسى في المغازي. انظر ابن حجر، فتح (7/378) . [4] لقد صدق توقع خبيب وصاحبه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل عدَّة سرايا إلى بني لحيان وقاد بنفسه غزوة إليهم، ولكن مشيئة الله سبحانه وتعالى وقضاءه كانت قد نفذت في خبيب وصاحبه، ولا رادَّ لقضائه.
اسم الکتاب : السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة المؤلف : العمري، بريك الجزء : 1 صفحة : 230