اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 71
وحتى لو طال الصراع واستمر، وحتى لو بلغ الأذى مبلغه، فليس هناك الحقد على بني الإنسان. إنما هو الكره للشر الذي في نفوسهم، والرجاء لهم في الوقت ذاته أن يهتدوا ويكفوا عن الطغيان.
وحتى إذا انقطع الأمل والرجاء فيهم، وصرح الشر، وأعلن القتال. فهو ليس قتال الوحوش ولا بربرية الحيوان وإنما هي مشاعر البشر المترفعة المستعلية على الأحقاد.
ذلك كان شعور الرسول وتوجيهه وهو يمنع التمثيل بالقتلى وينهى عنه أشد النهي. وكان شعوره وتوجيهه وهو يقول: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء, فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة" [1]. وكان شعوره وتوجيهه وهو يقول: "استوصوا بالأسارى خيرًا". وكان شعوره وتوجيهه وهو يقول عن قومه الغلاظ القساة الذين يرمونه بكل شر ويلتوون عليه كل التواء: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". وذلك كان شعور المسلمين وسلوكهم في كل حرب دخلوا فيها، حتى في الحروب الصليبية حين أمكنهم الله من عدوهم الذي فسق وفجر ونقض كل عهود الأمان، ودخل على المسلمين في بيت المقدس فأعمل فيهم السيف وحول المسجد إلى بركة بشعة من الدماء. حتى حينئذ تذكر المسلمون إيحاء دينهم. وارتفعوا على أنفسهم وعلى البشرية كلها، فلم ينتقموا بالمثل من المجرمين!
ذلك الشعور الإنساني النبيل هو مفتاح الحياة الصالحة في الأرض. وهو وصية الله للناس في الأرض. وهو ثمرة العبادة الدائمة والاتصال الدائم بالله.
والدعوات "الإنسانية" الأرضية تحاول هذه المحاولة وتدعو إليها بكل سبيل.
وكل دعوة إلى الخير فهي خير.
ولكن الأمر الواقع هو أن كل دعوة إنسانية منقطعة عن الله والعقيدة لم تستطع أن تتجاوز حدود دارها، ولم يكن لها رصيد في واقع الأرض. إنها أحلام جميلة ومثل طائرة في الهواء ... أما الواقع الذي تحقق في واقع الأرض. [1] رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 71