اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 64
تلك الذرة الضئيلة الفانية بقوة الأزل والأبد، فتقيس منها النور والقوة والثبات و"الوجود".
"ولا يريد أن ينصرف الوضوء إلى معناه الحسي الظاهر فيفقد معناه! ".
"إنه إذا انحسر إلى مجرد تنظيف لظاهر الجلد، فقد يغني إذن عنه أي تنظيف! ثم يظل يفقد معناه وحكمته حتى يفقد أثره الروحي في أعماق النفس، أثر التطهر من الداخل، والتوجه إلى الله بنفس تنظفت حقًّا، ورغبت إلى الله حقًّا، بحكم ما اشتملت عليه من نظافة وطهور. والرسول المربي لا يريد أن يرين على قلوب الناس ما يطفئ تلك الإشراقة الجميلة التي تنبعث من الروح الطاهرة. أو يحول دون هذه الانتفاضة الحية التي تهتز بها النفس المتطهرة، فتنفض عنها ما علق بها من ركام الأرض ووعثائها، وما هبط بها من ضرورات ضاغطة وقيود عاتية، ثم تنطلق. جديدة.. حية.. شابة.. فتية.. مغسولة من الأدران.. تحلق في الأكوان، وتسبح في ملكوت الله.
"إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يذكر الإنسان بدنه الظاهر وينسى روحه الباطنة. لا يريد أن يحجبه عالم الظاهر من عالم الخفاء. لا يريد له أن يكون تافهًا لا يرى من الأشياء غير ما تدركه الحواس! وإنما يريد له أن يأخذ الحياة بكل شمولها وكل عمقها. يريد له ألا يقف عند الظواهر المحسوسة بل ينفذ إلى ما وراءها في أعماق الضمير وأعماق الكون. يريد له أن يرى الحقيقة الكاملة. يريد له أن يرى الله.
"ثم يدخل المسلم في الصلاة.. يدخل ذلك العالم الواسع الفياض بمجالي النور".
"يدخل في تلك اللحظات العلوية العجيبة التي يتفتح لها القلب البشري -حين يتفتح- فإذا هو ينتقل من حدود الحس الضيقة، وينتقل من حدود الأرض، وينتقل من حدود "الواقع"، وينتقل من حدود "المعلوم" كله والمنظور. إلى ذلك العالم الذي لا حدود له ترى ولا غاية تدرك ولا ملمس يحس! عالم النور الغامر الذي ليست له حدود. النور الذي تدركه الأرواح، وتنهل منه الأرواح: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 64