اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 42
وحدها التي تملك الاتصال بالخلود الأبدي والوجود الأزلي.. تملك الاتصال بالله. كما أنها هي التي تملك الاتصال بالوجود كله من وراء حواجز الزمان والمكان.
كيف؟ لا نعلم! لكنا نحس! نحس بإشراقة الروح الصافية التي تشمل الحياة كلها في ومضة وتشمل الآباد والآماد. نحس بسبحة الروح الطليقة التي تجوب آفاق الكون وتتصل بكل حي فيه، والكون كما يقول العلم كله حياة! نحس بتلك اللحظة الدقيقة العجيبة العظيمة الرائعة، التي يرتعش فيها الكيان كله، ويحس في أعماقه أنه يرى الله!
وقد كان طبيعيًا إذن أن تهتم العقائد كلها بأمر هذه الروح. وكان طبيعيًا أن يهتم الإسلام خاصة بهذه الطاقة، وهو الذي جعل منهجه الاهتمام بالطاقات البشرية كلها، وإعطاءها حقها من الرعاية والتوجيه.
طريقة الإسلام في تربية الروح هي أن يعقد صلة دائمة بينها وبين الله، في كل لحظة وكل عمل وكل فكرة وكل شعور.
إن الإنسان -بطبيعته- قد تشرق روحه لحظة. قد تأخذه روعة الصبح الوليد مرة، وهو يتنفس كمن يصحو من سباته. قد تأخذ بلبه الليلة المقمرة، فينتشي بشعرها المهموس، وأطيافها الراقصة، وظلالها المسحورة. قد تأخذه ضخامة الكون وانتظام سننه ودقة نظامه. قد تروعه حادثة مفاجئة فتهز نفسه وتوقظه لعالم الغيب ومدبر الأمور. وكل ذلك جميل. ولكنها لحظات منقطعة لا دوام لها ولا استقرار. لحظات خاطفة لا تلبث -بزوال مؤثرها- أن تزول. والإسلام لا يريد ذلك. لا يريد لهذه الإشراقة الروحية أن تنطفئ. لا يريد لها أن تخنس وتخبو. لا يريد أن يغشي صفاءها شيء أو يحجبها عن انطلاقها في الآفاق. ومن ثم لا يكتفي بتلك اللحظات الفائقة التي تجيء عرضًا ولا تلبث أن تزول، لا تكاد تترك لها أثرًا في النفس، ولا تسيرها على منهج واضح أصيل.
إنما يريد الإسلام أن يجعل هذه الإشراقة منهج حياة! يريد أن يذكي الشعلة المقدسة فتظل على الدوام مضيئة. يريد أن تظل القبسة التي يشتمل عليها الإنسان من روح الله، مشعشعة واصلة لنبعها الأصيل.
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 42