اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 29
في الواقع في شقوة دائمة لأنه قلق على ما عنده وراغب في المزيد. ثم هو اختلال في واقع الحياة. فكل شهوة زائدة عن الحد لا تجرف صاحبها وحده، وإنما تصيب غيره من الناس في الطريق. تصيبهم بعدوان يقع عليهم لا محالة من هذه الشهوة التي تجاوز الحدود.
وحين يجنح الإنسان بطاقة من طاقاته على حساب بقية الطاقات، فذلك اختلال في باطن النفس ينتج عنه اختلال في واقع الحياة. حين يجنح بطاقته الحيوية فيسعى إلى المتاع الزائد عن الحد، أو يجنح بطاقته العقلية فيعيش في برج عاجي بعيدًا عن واقع الحياة. أو يجنح بطاقته الروحية فيهوم في سبحات روحية سلبية لا تتحول إلى عمل وإنتاج في عالم الحس، فلن يكون سعيدًا وهو فرد، لأنه يظل يظلع في مشيته وتختل مواقع أقدامه -لأن الثقل يقع عليها غير متوازن- ولن يكون سعيدًا وهو مجموع، فلا يمكن أن تستقيم حياة جماعة كل همها المتاع الحيواني -وقد انهارت فرنسا حين وصلت إلى هذا المدى من المتاع. ولا جماعة يشتغل مفكروها بالفلسفة المنقطعة عن واقع الأرض- وقد تعرضت أوربا لأعنف الاضطرابات في القرنين الأخيرين، وانتهت إلى الشيوعية في نهاية المطاف، كرد فعل للفلسفة المثالية التي كانت تحلق في أفكارها النظرية الخاوية وتترك جموع البشر يأكلهم الجوع والحرمان والمذلة المهينة لكرامة البشرية. ولا جماعة تعيش في تهويمة الروح السالبة -وقد كانت الهند والصين ترزحان تحت وطأة التأخر والانكماش والضياع حتى بدأتا تتخلصان أخيرًا من هذه التهويمة السالبة وتعيشان في واقع الحياة.
لذلك يحرص الإسلام على التوازن ويجعله هدفًا أساسيًا في منهاجه، ويبذل فيه كل ما في الطاقة من جهد, يبدأ فيه مع الطفل من مولده, ويسير فيه مع الإنسان في جميع مراحل نموه، ولا يتركه في لحظة واحدة دون معاونة أو توجيه.
وطريقته هي تلك التي أسلفنا: التوقيع على أوتار النفس كلها، مجتمعة مترابطة في آن. فإن ذلك -كما سنرى في الفصول التالية- يؤدي إلى التوازن المنشود حين تتخذ له الوسائل الصحيحة التي يرسمها منهج الإسلام.
من خصائص المنهج كذلك -وهي من سمات الإنسان الصالح في ذات
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 29