اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 28
والحياة في الخيال. توازن بين الإيمان بالواقع المحسوس والإيمان بالغيب الذي لا تدركه الحواس. توازن بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية. توازن في النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسة. توازن في كل شيء في الحياة.
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [1]. وسطًا في كل شيء، متوازنين في كل ما تقومون به من نشاط.
هذا التوازن في الحقيقة سمة الكون كله الذي تتوازن فيه كل الأفلاك وكل الطاقات، لا تختل منها واحدة في الكون على اتساعه. وهو كذلك سمة الإنسان الصالح الذي يفي بشروط الخلافة عن الله في الأرض، ويسير حسب منهج الله خالق الكون والإنسان.
والوصل إلى التوازن في حياة انسان -المتعدد الطاقات والاتجاهات- ليس أمرًا هينًا في الحقيقة. فهو جهد جاهد يستغرق حياة الإنسان كلها، ويشمل كل لحظة من لحظات هذه الحياة. جهد التوفيق بين الضرورات القاهرة والأشواق الطائرة. جهد التوفيق بين ما يجب أن يكون وما يمكن أن يكون. جهد التوفيق بين مطالب الفرد الواحد المتعددة المتعارضة وبين مطالب المجموع. جهد التوفيق بين العمل للعاجلة والعمل للآجلة. جهد التوفيق بين هذه اللحظة وهذا الجيل وبين جميع اللحظات وجميع الأفراد وجميع الأجيال, جهد جاهد يستغرق كل طاقة الحياة!
ومع ذلك فهو هدف يستحق كل ما يبذل فيه من جهد، لأنه يحقق للإنسان في الأرض أقصى ما يستطيعه من سلام وسعادة وإنتاج، في كل حقل من حقول الإنتاج المادي والمعنوي على السواء.
وكل ما يصيب الإنسان في الحياة من شر. كل ما يصيبه من قلق أو جزع أو اضطراب. كل ما يصيبه من فساد وبوار وشقوة. هو نتيجة حتمية لفقدان التوازن في داخل النفس، وفقدانه من ثم في واقع الحياة.
حين تطغى على الإنسان شهوة من شهواته: شهوة مال أو شهوة جنس أو شهوة قوة أو شهوة سلطان, فذلك اختلال في باطن نفسه، لا يسعده في الحقيقة وإن بدا له في أول الأمر أنه مستمتع وراض وسعيد. وإنما هو [1] سورة البقرة 143.
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 28