اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 122
ومراقبته في كل عمل وكل شعور وكل فكر، والتطلع إلى عطفه ورضاه. وذلك في ذاته ضابط من أكبر الضوابط يكبح جماح النفس، وإن كان لا يكبتها، لأن الله الذي يرتبط به القلب قد أباح المتاع وحرض عليه: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [1]. كل ما هناك أنه يريدها نظيفة طاهرة: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [2].
وهو كذلك يربط القلب باليوم الآخر.
والإيمان باليوم الآخر إيمانًا حقيقيًّا حيًّا راسخًا في القلب، يصنع كثيرًا من العجائب في النفس الإنسانية!
إنه يمنع اللهفة المجنونة على شهوات الأرض وإن لم يكن يحرم الإنسان من المتاع. فاللهفة تستبد بالنفس حين تحس أن فرصة الحياة الدنيا هي الفرصة الوحيدة المتاحة. ومن ثم تتكالب على انتهاب هذا المتاع في فرصة العمر القصيرة المحدودة. قبل الفوات. وتوغل في ذلك إلى درجة السعار المجنون. أما حين تنفسح الفرصة وينفسح الأمل. حين يؤمن الإنسان إيمانًا حقيقيًّا بأن فرصة العمر القصير المحدود ليست نهاية الحياة ولا نهاية المتاع، وإنما هي فترة قصيرة ومتاعها كذلك قصير: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [3] فإنه يأخذ منه على هينة، بلا تلهف زائد ولا قلق ولا تفزز. وهو بهذا يجمع الحسنيين: فهو يحس إحساسًا حقيقيًّا بطعم المتاع الأرضي، لا كالمعجل الذي لا يكاد يتذوق، لأنه يزدرد ازدرادًا قبل وقت الفوات! وفي الوقت ذاته يحس باطمئنان القلب واطمئنان الأعصاب وراحة الضمير. وهو كسب آخر يضاف إلى المتاع المتزن المتذوق الرائق المعقول.
ثم هو دائم التذكير بأن هذه الشهوات ليست غاية في ذاتها، يستغرق الإنسان في طلبها والانكباب عليها. وإنما هي وسائل إلى غايات أخرى أرفع منها وأولى بالالتفات:
الطعام وسيلة لحفظ الأود: "ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطنه. بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه" [4]. [1] سورة الأعراف 32. [2] سورة البقرة 222. [3] سورة النساء 77. [4] حديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم.
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 122