اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 400
الشاكر اللين الوادع، ولا يصلح تفصيل ما أجملناه ولاشرح ما رمزناه، وقال بعض علماء السف: ما ألبس المؤمن لبسة أحسن من سكينة في خشوع وذلّة في خضوع فهذا حالان من الخوف، وهي لبسة الأنبياء وسيما علماء الأولياء.
وقال لقمان لابنه: يا بني خف الله تعالى خوفًا لا تيأس فيه من رحمته وارجه رجاء لاتأمن فيه مكره، ثم فسّره مجملاً فقال المؤمن: كذي قلبين؛ يخاف بأحدهما ويرجو بالآخر، ومعنى لك أن المؤمن ذو وصفين عن مشاهدتين لأن المؤمن الأوّل والشاهد الأعلى ذو وصف مخوف مثل البطش والسطوة والعزة والنقمة.
فإذا شهد العبد ما آمن به من هذه الصفات خاف إذا عرفه بها وتجلّى له بشاهدها والمعروف أيضًا هو المألوف ذو أخلاق مرجوّة من الكرم والرفق والرحمة واللطف.
فإذا شهد القلب ما آمن به من هذه الأخلاق رجا من شهده بها فصار العبد لوصفيه الرجاء والخوف عن معنى شهادتيه المخوفة والمرجوّة عن وصفي مخوفه ومرجوّة وصار كذي قلبين كأنه يرجو بقلب ويخاف بآخر، وإنما هما شهادتان في قلب واحد لأنهما مقامان لقلب واحد عن شهود مخوف ومرجوّ واحد؛ فهذا تفسير قول لقمان، وهو صفة المؤمن ذي الإيقان، إلا أن الخائف يوصف بما غلب عليه من الحال عما قوي عليه من مشاهدة ويندرج الرجاء في مقامه، ويوصف الراجي بما قوي عليه من الحال عن غلبة شهادته وينطوي الخوف في مقامه ولا كنه للمخوف تعالى وعلا ولا نهاية للمرجوّ عزّ وجلّ سبحانه وتعالى، فأما الشهيد الموقن العالم المقرّب فبالحالين جميعًا يوصف مع اعتدالهما وبالوصفين جميعًا يعرف مع استوائهما، ثم يغلب عليه الوصف التام والحال الكامل.
فإذا عرف به أدرج الوصفان فيه فيقال: صديق لأنه قد تحقق بالصدق فأغنى عن أن يقال مخلص، ثم يقال عارف لأنه قد رسخ في العلم فكفى أن يقال صادق ثم يقال مقرّ ب لأنه قد أشهد القرب فاقترب ولم يحتجّ إلى أن يقال عامل؛ وهذه أسماء الكمال وأحوال التمام لا يفتقر إلى ذكر حال دونها ولايوصف بوصف كوصف خائف أو راجٍ لوجودهما فيه واعتدالهما عنده لأن الخوف والرجاء قد فاضا عليه ثم غاضا فيه فإذا قلت عارف أو مقرب أو صديق، فقد دخل فيه وصف حبّ خائف راجٍ عامل لا محالة كما إذا قلت فلان هاشميّ استغنيت أن تقول قرشيّ أو عربيّ لأن كل هاشمّي يكون عربّيًا قرشيًّا لا محالة ثم تصفه بوصف التمام أيًا فيندرج الوصفات فيه فتقول: فلان حسنيّ أو حسينيّ فاكتفيت أن تقول هاشميّ أو قرشىّ أوعلويّ، وإن كان هاشميّا قرشيًّا علويًّا لأنه قد عرف أن كل حسينيّ فهو هاشميّ قرشىّ علويّ لامحالة، فأما أن تقول: فلان عربيّ أو هاشميّ أو قرشيّ أو علويّ فلا يعرف إلا بما وسمته به لأنه قد يكون علويًّا وهو الغاية في النسب ولا يكون حسينّيًا وقد يكون هاشمياً غير علويّ ويكون قرشيًّا غير هاشميّ ويكون
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 400