اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 401
عربياً غير قرشي فيلزمه وصف ما عرفته حسب، فكذلك قولك: عارف أو محبّ أومقرّب أو صديق هي اسم التمام والكمال في المقامات الي تحتوي على جميع الأسباب كقولك: حسنيّ هو اسم التمام وشرف الكمال الذي يفوق على كل الأنساب ولايصح مقام المعرفة إلا بعين اليقين وشاهد التوحيد بعد أن لا يبقى من النفس بقية في مقام اليقين ولا من الخلق رؤية في شاهد التوحيد فيكون روحانيًّا بعد فناء النفس باليقين ربانيهًا عند شهود الخالق سبق منه التوحيد لأن العارف لا يوسم بحال دون حال وقد استغرق الأحوال ولا يوسم بمقام دون مقام إذ قد جاوز المقامات؛ فحقيقة معناه عارف بالمعروف الذي هو بكل نهاية وفضل موصوف وغموض غريبة عند غير أبناء جنسه أن ينكروه فإن تعرف إليهم أوعرفوه فليس بعارف.
وقال بعضهم في وصف العارف: أن يعرف كلّ شيء ولا يتعرّف إلى شيء وقيل: حقيقته أن يعرف ولا يعرف عن مقتضى وصف من أوصاف الربوبية لأنه روحانيّ ربانيّ، وثلاث مقامات لا يقاس عليها ولايتمثّل بها، فمن قاس عليها أخطأ، ومن تمثّل بها ادّعى مقام النبوّة ومقام المعرفة ومقام محبوب، وقد ذكرنا وصفه في شرح مقام المحبة في كتاب المحبين؛ فهذه طرائق الخائفين وجل صفات العارفين لأنهم متفاوتون في القرب والاقتراب متعالون في التقرّب والتقريب مترافعون في التعرّف والتعريف، فالموقنون من الشهداء وهم المقرّبون من الصديقين بشهادتهم قائمون لهم من القرب الاقتراب ومن التقرّب التقريب ومن التعريف التعرّف ومن الإيلاف التأليف لأن مقامهم من القريب العالي الطريق الأقرب والجهة العليا هم السابقون لأهل مقامات اليمين أوّل القرب والتقرب وأوهل الحبّ التحّبب ولهم التألف والتعريف وهؤلاء الأبرار، ومن أفضل طرقات الخائفين ما سرى خوفه إلى النفس قاطعًا شغل الهوى وأخمد نار الشهوات فسقطت له أثقال المجاهدة وخفّت عنده مؤنه المكابدة ووجدت معه حلاوة الطاعة لفقد حلاوة المعصية واجتمع لهم بالحّق عند زوال التشتت بالهوى والخلق وسكنت النفس بالطمأنينة لمعاينة القلب للشهادة وظهر نعيم الزهد والرضا لباطن الصدق والإخلاص ثم سكن الخوف في القلب بعد ذلك ولم يجاوزه فيتعدّى الحدّ إلى بعض المفائض التي ذكرناها بل كان منه الحزن الدائم والهمّ اللازم والخشوع القائم وهذا هو وصف القلب المنكسر وحال العبد المنجبر الذي يوجد عنده الجبار فجبره بعد كسره فصلح له بعد أن عطل من غيره وصار مزيدًا لعالم الخائف من الله تعالى كشوف اليقين وتنقيله لديه في شهادة المقرّبين فكان القريب لدي موجودًا وصار الحبيب عنده مطلوبًا لأنه من المنكسرة قلوبهم من أجله وبأنه صار عنده من أهله، واعلم أن الذي قطع الخلق عن هذه حلاوة الهوي ولا يخرجها إلا أحد كأسين؛ تجرّع مرارة الخوف فيغلب حلاوة الهوى فيخرجه أو غلبة حلاوة المحبة فيستغرق حلاوة
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 401