اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 388
بقلبي من المشاهدة فيما بين باب الحجرة وباب الدار فيغير التوحيد.
وروينا عن زهير بن نعيم الباني قال: ما أكبر همي ذنوبي، إنما أخاف ما هو أعظم عليّ من الذنوب وهو أن أسلب التوحيد، وأموت على غيره، وروي ابن المبارك عن أبي لهيعة عن بكر بن سوادة قال: كان رجل يعتزل الناس أينما كان يكون وحده فجاء أبو الدرداء فقال: أنشدك الله تعالى ما يحملك على أن تعتزل الناس؟ قال: إني أخشى أن أسلب ديني وأنا لا أشعر، قال: أترى في الحي مائة يخافون ما تخاف؟ فلم يزل ينقص حتى بلغ عشرة قال: فحدثت بذلك رجلاً من أهل الشام فقال ذلك شرحبيل بن سمط يعني من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كان أبوالدرداء يحلف بالله تعالى ويقول: ما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه عند الموت إلا سلبه، وقد كان بعض علمائنا يقول: من أعطى التوحيد أعطيه بكماله، ومن منعه منعه بكماله إذا كان التوحيد في نفسه لا يتبعض.
ولما احتضر سفيان الثوري رضي الله عنه جعل يبكي ويجزع فقيل له: يا أبا عبد الله عليك بالرجاء فإن عفو الله أعظم من ذنوبك فقال: أو على ذنوبي أبكي؟ لو علمت أني أموت على التوحيد لم أبال أن ألقى الله تعالى بأمثال الجبال من الخطايا، وقال مرة: ذنوبي أهون من هذه ورفع حبة من الأرض إنما أخاف أن أسلب التوحيد في آخر الوقت، وقد كان رحمه الله أحد الخائفين، كان يبول الدم من شدة الخوف، وكان يمرض المرضة من المخافة، وعرض بوله على بعض الكتابيين فقال: هذا بول راهب من الرهبان وكان يلتفت إلى حماد بن سلمة فيقول: يا أبا سلمة ترجو لمثلي العفو أو يغفر لمثلي؟ فيقول له حماد: نعم أرجو له.
وقد كان بعض العلماء يقول: لو أني أيقنت أن يختم لي بالسعادة كان أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس في حياتي أجعله في سبيل الله تعالى.
وحدثني بعض إخواني الصادقين وكان خائفًا أنه أوصى بعض إخوانه فقال: إذا حضرتني الوفاة فاقعد عند رأسي فإذا عاينت فانظر إليّ فإن رأيتني متّ على التوحيد فاعمد إلى جميع ما أملكه فاشتر به لوزًا وسكرًا وانثره على صبيان أهل المدينة وقل: هذا عرس المنفلت، وإن رأيتني متّ على غير التوحيد فأعلم الناس أني قد متّ على غير التوحيد حتى لا يغتروا بشهود جنازتي ليحضر جنازتي من أحبّ على بصيرة لئلا يلحقني الرياء فأكون قد خدعت المسلمين فقلت: ومن أين أعلم أنك قد متّ على التوحيد؟ فذكر له علامة تظهر من بعض الأموات لم نحبّ ذكرها، قال: فكنت عند رأسه أنظر إليه كما أمر، حتى أعاين فرأيت علامة حسن الخاتمة وأمارة الموت على التوحيد قد ظهرت وفاضت روحه، قال: فنفّذت وصيتّه كما أمر ولم أحدّث بذلك إلا خصوص إخواني من العلماء؛ وذلك أن العبد مهما عمل في حياته من سوء أعيد ذكره عليه عند فراق الحياة ووقعت مشاهدته فيه عند آخرساعة من عمره، فإن استحلى ذلك بقلبه أو استهواه بنفسه وقف معه
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 388