اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 387
والآزال قبل إظهار الأكوار والأدوار، فشهدتها الأرواح هناك غرورًا، ووقفت معها وقد زادت لها زورًا رسوم في القلب في التخطيط قبل خلق الأجسام لها، وقبل حجبها بكشف الهياكل عند ظهورها في الوجود، وقبل إقامتها بشاهد العقل، لكن بشاهد الأولية بدت، وبمعنى القيومية وجدت، وبوصف الجامع جمعت ثم فرقت ههنا، فظهرت الآن عند الفراق، لما كانت شهدت في التلاق، واعترفت في الآخر بما كانت نطقت في الأول وخرجت الروح على ما شهدت، وهذا كان خبر السابقة التي أدركت الأرواح المرافقة لها في الأجسام عند الخاتمة.
ومن ذلك جاء في الأثر: يأخذ ملك الأرحام النطفة في يده فيقول: يارب أذكر أم أنثى؟ أسوى أم معوج، ما رزقه، وما عمله؟ ما أثره ماخلقه؟ قال: ثم يخلق الله تعالى على يده كما قال: فإذا صورة قال: يارب أنفخ فيه بالسعادة أو بالشقاوة فلذلك خرجت الروح بما دخلت به (فَأَمّا إنْ كانَ مِنَ المقَرَّبينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وجَنَّةٌ نَعيمٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمينِ، فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ اليَمينِ، وأَمّا إنْ كَانَ مِنَ المُكَذِّبينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَميمٍ، وَتَصْلِيَةُ جَحيمٍ) الواقعة: 88 - 94 (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَريقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) الأعراف: 29 (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) الأنبياء: 104 (ولَوْ شِئْنا لآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاها ولكنْ حَقَّ القَوْلَ مِنِّي) السجدة: 13 وقال سبحانه وتعالى: (إنَّ الذينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنى) الأنبياء: 101 (إنَّ الّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِم كَلِمَةُ رَبِّكَ) يونس: 96 (ولَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ والإنْسِ) الأعراف: 179 (وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلكَ هُمْ لها عَامِلُونَ) المؤمنون: 63 (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) الزمر: 47 (إنَّ في هَذا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدينَ) الأنبياء: 106 فهذه الآي ونظائرها وردت في السوابق الأول والخواتم الآخر، وفيها سرائر الغيوب وغرائب الفهوم، وهي من آي المطلع لأهل الإشراف على شرفات العرش والأعراف.
وقال بعض العارفين: لو علمت أحدًا على التوحيد خمسين سنة ثم حالت بيني وبينه أسطوانة فمات لم أقطع له بالتوحيد، لأني لا أدري ما ظهر من التقليب.
وقد كان أبو محمد سهل رحمه الله يقول: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل حركة، وكل خطرة وهمة، يخافون البعد من الله تعالى، وهم الذين مدح الله تبارك وتعالى (وقلوبهم وجلة) وقال لا يصح خوفه حتى يخاف من الحسنات كما يخاف من السيئات.
وقال أيضًا: أعلى الخوف أن يخاف سابق علم الله تعالى فيه، ويحذر أن يكون منه حدث خلاف السنة يجره إلى الكفر، وقال: خوف التعظيم ميزان خوف السابقة.
وكان بعض العارفين يقول: لو كانت الشهادة على باب الدار والموت على الإسلام عند باب الحجرة لاخترت الموت على الشهادة، قيل ولم؟ قال: لأني لا أدري ما يعرض
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 387