اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 386
السرائر عند غضبه وعظيم سطوته، فما له من قوة، من عمل، ولا ناصر من علم لا قوّة له فينتصر بها، لأن النصرة عزّة وهو ذليل، ولا ناصر، لأن الناصر هو الخاذل والمقوّى هو المضعف، فما أسوأ حال من لا ينصر نفسه، وليست له من مولاه صحبة، ولو صحبه لنصره، ولو نصره لأعزه ولو وليه لهرب منه عدّوه.
قال تعالى: (لا يَسْتَطَيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) الأنبياء: 43 وقال تعالى: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذي يَعلَمُ السِّرَّ في السَّمواتِ والأَرْضِ) الفرقان: 6 الآية.
فمن حكمته غفره ومن رحمته ستره، وقال تعالى: (يُخْرِجُ الْخَبْءَ في السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخفُونَ وَمَا تُعلِنُونَ) النمل: 25؛ فهذه العلوم التي ذكرناها توجب حقائق المخاوف، وهي من سرّ الملك وخباء الملكوت.
على أن للعبد عند الموت علامات ليس يخفى على العارف بسوء الخاتمة بها لمشاهدته لها وللأحياء علامات عند المكاشفين على الاطلاع يعرفون بها سوء الخاتمة منهم، وهذا علم مخصوص به: من أقيم مقام مقامات المكاشفات عن مشاهدة حقيقة من ذات، وهوسرّ علام الغيوب عند من أطلعه عليه من أهل القلوب، لأن الكشف يتنوّع أنواعاً من المعاني، فمنه كشف معاني الآخرة، ومنه كشف بواطن الدنيا، ومنه الاطلاع على حقائق الأشياء المستورة لظواهر الأحكام، فهذا من سر الملكوت، ومن معاني كشوف الجبروت.
وقد جاء في خبر القدر سر الله فلا تفشوه فهذا خطاب لمن كوشف به، وفي خبر آخر ستر الله فلا تكشفوه فهذا خطاب لمن لم يكاشف به، وهذا نهي عن السؤال عنه، وهو داخل في قوله تعالى (ولاتَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الإسراء: 36 أي لا تتبع نفسك علم ما لم تكلف، ولا تسأل عما لم يجعل من علمك ولم يوكل إليك، ولأنه إذا علمه لم ينفعه علمه شيئاً، وإنما ينفعه علم الأحكام والأسباب، لأنها طرقات، وبمثل مخاطبة المؤمنين خاطب أنبياءه عليهم السلام في هذا المعنى في قوله تعالى لنوح عليه السلام حين قال: (إنَّ ابني مِنْ أَهْلي وإنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ) هود: 45 لأنه قدكان وعده نجاة أهله فقال سبحانه وتعالى: (إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فلا تَسْأَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) هود: 46 أي دعاءك ومسألتك لي ما لم أجعله من علمك ولم أكله إليك عمل غير صالح، فعندها استغفر ربه واسترحمه.
وإن العبد عند موته في آخر ساعة من عمره يكشف له عند كشف الغطاء عن بصره وجوه كثيرة قد اتخذت آلهة من دون الله أو أشرك بها مع الله تعالى وكلها تزيين وغرور فإن وقف القلب مع أحدها، أو زين له بعضها أوتقلب قلبه في شيئ منها عند آخر أنفاسه ختم له بذلك، فخرجت روحه على الشك أو الشرك، وهذا هو سوء الخاتمة، وهو نصيب العبد من الكتاب في السابقة عند خلق الأرواح، معدومة لها في الأشباح في الآباد
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 386