responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 354
الإحسان من غير قدم من العبد ولا استحقاق بل بفضل الله وبرحمته، وهذا أحد الوجوه في قوله تعالى: (كلا لَمَّا يَقضِ مَا أَمَرَهُ) عبس: 23 أي لا يقضي العبد أبداً شكر ما أمره الله تعالى من نعمة الإسلام الي هي أصول النّعم في الدنيا والآخرة وهي سبب النجاة من النار ومفتاح دخول الجنة ولا أوّل للعبد فيها ولاشفيع كان له إلى الله تعالى بها ثم دوام ذلك وثباته مع الطرف والأنفاس بمدد منه نعم مترادفة.
ومن هذا قوله تعالى: (كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإِيمَان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المجادلة: 22 أي قواهم بمدد يثبته ويقوّيه وهو معنى قوله تعالى: (يُثَبَّتُ الله الَّذين آمَنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الْحيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ) إبراهيم: 27 ومن ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يامقلب القلوب أي عن الإيمان ومقلبها في الشك والشرك ثبّت قلبي على طاعتك، ومعرفة هذه النعمة اللطيفة العظيمة تستخرج من القلب خوف سوء الخاتمة لمشاهدة سرعة تقليب القلب بالمشيئة وذلك مزيد شكرها وهذا داخل في معنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحبوا الله تعالى لما أسدى إليكم من نعمه ولما يغذوكم به أيضاً، فمن أفضل ما غذانا به نعمة الإيمان له والمعرفة به وغذاؤه لنا منه دوام ذلك ومدده بروح منه وتثبيتنا عليه في تصريف الأحوال إذ هو أصل الأعمال التي هي مكان النوال، فلو قلب قلوبنا عن التوحيد كما يقلب جوارحنا في الذنوب، ولو قلب قلوبنا في الشك والضلال كما يقلب نيّاتنا في الأعمال أي شيء كنّا نصنع وعلى أي شيء كنّا نعوّل وبأي شيء كنّا نطمئن ونرجو؛ فهذا من كبائر النعم ومعرفته هو من شكر نعمة الإيمان والجهلُ بهذا غفلة عن نعمة الإيمان يوجب العقوبة وادعاء الإيمان أنه عن كسب معقول أو استطاعة بقوّة وحول هو كفر نعمة الإيمان وأخاف على من توهم ذلك أن يسلب الإيمان لأنه بدل شكر نعمة الله كفراً.
وقد جعل الله تعالى الخيرات من كسب الإيمان وليس لنا فيما يكسبنا الخيرات مكان بل الله تعالى منّ علينا أن هدانا للإيمان وجعله سبباً يكسب لنا بإحسانه الإحسان كما قال تعالى: (أَوْ كَسَبَتْ في إيمَانِهَا خَيْرَاً) الأنعام: 158 قيل التوبة، وقيل: الصالحات كلها كسب الإيمان ومن النّعم بعد الإيمان توفيقنا للحسنى وتيسيرنا لليسرى، ثم صرف الكفر وأخلاق الكفرة وأعمالهم ثم تزيين الإيمان وتحبيبه إلينا وتكريه الفسوق والعصيان فضلاً منه ونعمة إلى ما لا يحصى من نعمه فشكر ذلك لايقام به إلا بما وهب أيضاً وأنعم به من المعرفة بذلك والمعونة عليه، والحياء من تتابع النّعم هو من الشكر والمعرفة بالتقصير عن الشكر شكر، والاعتذار من قلة الشكر شكر، والمعرفة بعظيم الحلم وكثيف الستر شكر، والاعتراف بما أعطى من حسن الثناء وجميل النشر أنه من النّعم من غير استحقاق من العبد بل هو مضاف إلى نعمه بل هو من الشكر، وحسن التواضع بالنّعم والتذلّل فيها شكر، وشكر الخلق بالدعاء لهم وحسن الثناء عليهم لأنهم ظروف العطاء وأسباب المعطى تخلّقاً بأخلاق المولى جلّ وعلا هو من الشكر، وقلة الاعتراض وحسن

اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 354
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست