responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 353
العبد كما استوعب القلب والجسم جسيم النّعم من الملك، ومن أقوى المعاني في قوله تعالى: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُون) (إِلاّ منّ أَتى اللّّه بِقَلْبِ سَليمٍ) الشعراء: 88 - 89 قيل: سالم من الشك والشرك والسالم الصحيح المعافى وبوجود عافية اليقين في القلوب عدم الشك والنفاق وهي أمراض القلوب، كما قال تعالى: (في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) البقرة: 10 قيل: شك ونفاق وعافية القلب أيضاً من الكبائر كما قال تعالى: (فَيَطْمَعَ الّذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ) الأحزاب: 32 يعني الرياء، ويقال: ما من مصيبة إلا ولله تعالى فيها خمس نعم؛ أوّلها: أنها لم تكن في الدين ويقال كل مصيبة في غير الدين فهي طريق من الدين، والثانية: إنها لم تكن أكبر منها، والثالثة: أنها كانت مكتوبة عليه لا محالة فقد نفدت واستراح منها، والرابعة: إنها عجّلت في الدنيا ولم تؤجل في الآخرة فتعظم على مقدار عذاب الآخرة، والخامسة: أن ثوابها خير منها فإن المصيبة إذا كانت في أمر الدنيا فإنها طريق إلى الآخرة وعندنا في قوله تعالى: (إنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار) إبراهيم: 34 قيل: ظلوم بالتسخط كفّار بالمعاصي وبالنعم، وحدثت أن العباس رضي الله عنه لما توفي قعد ابنه عبد الله رضي الله عنه للتعزية فدخل الناس أفواجاً يعزونه فكان فيمن دخل أعرابي فأنشده:
اصبر نكن بك صابرين فإنما ... صبر الرعية بعد صبر الراس
خير من العباس أجرك بعده ... والله خير منك للعباس
فقال ابن عباس: ماعزّاني أحد تعزية الأعرابي واستحسن ذلك، وفي قوله تعالى: (إنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) العاديات: 6 قيل: هو الذي يشكو المصائب وينسى النعم، ولو علم أن مع كل مصيبة عشر نعم بحذائها وزيادة قلت شكواه وبدّلها شكراً، ثم إن المصائب لا تخلو من ثلاثة أقسام كلها نعم من الله تعالى، إما أن تكون درجة وهذا للمقرّبين والمحسنين، واما أن تكون كفّارة، وهذا لخصوص أصحاب اليمين وللأبرار، أو تكون هذا عقوبة وهذا للكافة من المسلمين، فتعجيل العقوبة في الدنيا رحمة ونعمة ومعرفة هذه النعم طريق الشاكرين، ومن أفضل النعم عند العلماء نعمة الإيمان ثم دوامه، لأن دوام الشيء نعمة ثانية لأنه بحكم ثانٍ عن مشيئة ثانية لأن الإرادة منه تعالى بحكم الإظهار لا توجب دوام المظهر فكان الشيء يظهر بإرادته ثم يتلاشى كأن لم يكن إلا أن يحكم سبحانه وتعالى حكماً ثانياً بنعمة ثانية بالثبات والدوام إذ لو لم يرد دوام السموات والأرض ما داما ولو لم يرد دوام ثبات الجبال ما ثبتت، كذلك لو لم يرد دوام الإيمان وثباته في القلوب بعد الكتب لظهر بالكتب ثم انمحى ورجع القلب إلى الكفر لكنه أنعم نعماً لا تحصى بدوامه وثباته في القلب، ومنه قوله تعالى: (يَمْحُوا الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبتُ) الرعد: 39 أي يمحو ما لايشاء ثبوته ويثبت ما يحبّ ولا يستطيع العبد شكر نعمة الإيمان ومعرفة بداية التفضّل به وقديم

اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 353
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست