اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 352
ديات جوارحه لو قطعت.
وحدثني بعض الشيوخ في معناه أن بعض القراء المقربين اشتد به الفقر حتى أحزنه وضاق به ذرعاً، قال: فرأى في المنام كأن قائلاً يقول له تود أنا أنسيناك سورة الإنعام وأن لك ألف دينار؟ قال: لا، قال: فسورة هود؟ قال: لا، قال: فسورة يوسف، قال: لا، قال: فمعك قيم مائة ألف وأنت تشكو الفقر فأصبح وقد سرى عنه همه، وهكذا جاء في الخبر: تغنوا بالقرآن أي استغنوا به ومن لم يستغن بآيات الله تعالى فلا أغناه الله عزّ وجلّ وإن القرآن هو الغنى الذي لا فقر معه ولا غنى بعده، ومن آتاه الله القرآن فظن أن أحداً أغنى منه فقد استهزأ بآيات الله تعالى، وفي لفظ آخر: فقد استخف بما أنزل الله عزّ وجلّ، وفي الخبر: من لم يتغنَّ بالقرآن فليس منا، وفي الخبر المجمل كفى باليقين غنى والقرآن هو حق اليقين.
وروينا عن بعض السلف يقول الله عزّ وجلّ: إن عبداً أغنيته عن ثلاث فقد أتممت عليه نعمتي عن سلطان يأتيه وطبيب يداويه وعما في يد أخيه.
وروينا في مناجاة أيوب عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أوحى إليه: ما من عبد لي من الآدميين إلا ومعه ملكان فإذا شكر على نعمائي قال الملكان: اللهم زده نعماً على نعمه، فإنك أهل الشكر والحمد فكن من الشاكرين قريباً وزدهم شكراً وزدهم من النعماء وكفى بالشاكرين ياأيوب علوّ الرتبة عندي وعند ملائكتي، فأنا أشكر شكرهم وملائكتي تدعو لهم والبقاع تحبهم والآثار تبكي عليهم فكن لي ياأيوب شاكراً ولآلائي ذاكراً ولا تذكرني حتى أذكرك ولا تشكرني حتى أشكر أعمالك أنا أوفق أوليائي لصالح الأعمال وأشكرهم على ما وفقتهم وأقتضيهم الشكر ورضيت به مكافأة فرضيت بالقليل عن الكثير وتقبّلت القليل وجازيت عليه بالجزيل وشرّ العبيد عندي من لم يشكرني إلا في وقت حاجته، ولم يتضرّع بين يديَّ إلا في وقت عقوبته وذكر الكلام وقد جعل الله تعالى الشاكرين بوصف الصالحين والمقربين والعالمين؛ وهذه الأوصاف الثلاث من أعالي مقامات الموقنين، فقال عزّ وجلّ: وقليل من عبادي الشكور كما قال الله تعالى: (إلاّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَملوا الصَّالِحَاتِ وَقَليلٌ مَا هُمْ) ص: 24 وكما قال في وصف المقربين: (ثُلَّةٌ مِنَ الأوّلينَ) (وٍَقَليلٌ مِنَ الآخِرينَ) الواقعة: 13 - 14 وكما قال عزّ وجلّ: (مَا يَعْلمُهُمْ إلاّ قليلٌ) الكهف: 22
وفي حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سلوا الله العافية وما أعطى عبد أفضل من العافية إلا اليقين ففضل العافية على كلّ عطاء ورفع اليقين، فوق العافية لأن بالعافية يتمّ نعيم الدنيا واليقين معه وجود نعيم الآخرة؛ فلليقين فضل على العافية كفضل الدوام على الانتقال، والعافية سلامة الأبدان من الأسقام والعلل واليقين سلامة الأديان من الزيغ والأهواء: فهاتان نعمتان تستوعبان عظيم الشكر من
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 352