اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 351
عيش له قيل: زدنا قال: الأمن فإني رأيت الخائف لا عيش له، قيل: زدنا، قال: الشباب فإني رأيت الهرم لا عيش له، قيل: زدنا، قال: لا أجد مزيداً، وبعض ما ذكره هو أحد الوجوه في قوله تعالى: (أَذْهَبْتُمْ طَيِبَّاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا) الأحقاف: 20 قيل: الشباب وقيل: الفراغ وقيل الأمن والصحة، وفي قوله تعالى: (وَعَصيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ) آل عمران: 152 قيل: العوافي والغنى، وبمعناه في قوله تعالى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان: 20 قيل: ظاهرة العوافي وباطنة البلاوي لأنه سبب نعيم الآخرة ومزيدها لقوله تعالى: (وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُس والثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابرينَ) البقرة: 155، وقد جاء في الخبر: من أصبح معافى في بدنه آمناً في سربه وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وأنشدت في معناه لبعض أهل القناعة:
إذا القوت تأتي لك ... والصحة والأمن
وأصبحت أخا حزن ... فلا فارقك الحزن
وأنشد الآخر:
كن وفلقة خبز ... وكوز ماء وأمن
ألذ من كل عيش ... يحويه سحب وسجن
وحدثونا أن عابداً عبد الله تعالى سبعين عاماً، فأرسل الله تعالى إليه ملكاً يبشّره بدخول الجنة برحمة الله تعالى، فهجس في نفسه بل بعملي فاطلع الله تعالى على ذلك منه فأوحى إلى عرق ساكن من عروقه أن تحرك عليه، قال: فاضطرب لذلك وقلق وانقطعت عبادته وذهبت أعماله شغلاً منه بنفسه وقلق بنفسه، ثم أوحى الله تعالى إلى العرق أن اسكن فسكن، فرجع العبد إلى عبادته فأوحى الله تعالى إليه إنما قيمة عبادتك عرق واحد سكن من عروقك فاعترف.
وروينا معناه عن رسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوصف آخر أن رجلاً عبد الله سبعين عاماً قال: فيأمر الله عزّ وجلّ به إلى الجنة برحمته فيقول: بل بعملي فيقول الله عزّ وجلّ: أدخلوا عبدي الجنة بعمله قال: فيمكث في الجنة سبعين عاماً فيأمر الله تعالى به أن يخرج، ويقال له: قد استوفيت ثواب عملك قال: فيسقط في يديه ويندم فينظر أقوى شيء كان في نفسه بينه وبين ربه فإذا هوالرجاء وحسن الظن فيقول: ياربّ اتركني في الجنة برحمتك لا بعملي قال: فيقول اللّّه عزّ وجلّ: دعوا عبدي في جنتي برحمتي، وحدثت عن رجل شكا إلى بعض أهل المدينة فقره وأ ظهر لذلك غمه فقال له الرجل: أيسرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف؟ قال: لا، قال: فيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف قال: لا، قال: فيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرة آلاف، قال: لا، قال: فيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف؟ قال: لا، قال: أفما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفاً وهذا كما قال لأن في الإنسان قيم هذه الأشياء من الجوارح وزيادة من المال لأنها
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 351