responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 350
وقد قال الله تعالى: (إنَّ الله لا يُغَيّرُ مَا بِقَوْم حتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهمْ) الرعد: 11 قيل: لا يغير نعمه عليهم حتى يغيّروها بتضييع الشكر فيعاقبهم بالتغيير والوجه الآخر لا يغير ما بهم من عقوبة حتى يغيّروا معاصيهم بالتوبة، فذكر بذلك السبب الأوّل من حكمه ثم ذكر السبب الثاني من حكمته وهو مسبّب الأسباب للحكمة والمشيئة ويقال: إن تحت كل شعرة من جسم العبد نعمة، وبكل عرق في جسده نعمتان في تسكينه وتحريكه، وفي كل عظم أربع نعم، وبكل مفصل سبع نعم، وفي جسم الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً، ومثل ذلك من العظام، وفي كل طرفة نعمتان، وبكل نفس نعمتان، وفي كل دقيقة تأتي عليه من عمره نعم لا تحصى، والدقيقة جزء من اثني عشر جزءاً من شعيرة، والشعيرة جزء من اثني عشر جزءاً من ساعة، والأنفاس أربعة وعشرون ألف نفس في اليوم والليلة، وفي أخبار موسى عليه السلام: ياربّ كيف أشكرك ولك في كل شعرة من جسدي نعمتان إن لينت أصلها وإن طمنت رأسها.
وقد روينا في الأثر: من لم يعرف نعم اللّّه تعالى عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قلّ علمه وحضر عذابه؛ هذا مع سوابغ العوافي والكفايات والوقايات، ويقال: إن في باطن الجسم من النّعم سبعة أضعاف النّعم التي في ظاهره، وإن في القلب من النّعم أضعاف ما في الجسم كلّه من النّعم، وإن نعم الإيمان بالله تعالى والعلم واليقين أضعاف نعم الأجسام والقلوب؛ فهذه كلّها نعم مضاعفة على نعم مترادفة لا يحصيها إلا من أنعم بها ولا يعلمها إلا من خلقها، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، سوى نعم المطعم والمشرب والملبس والمنكح من دخول ذلك وخروجه وكثرة تكرره وتزايده بأن أدخل مهناه وأخرج أذاه وبأن طيب مدخله ويسرّ مخرجه وبقى منفعته وما أحال من صورته وغيّر من صفته فللتزهيد والذلة والاعتبار والتذكرة؛ وتلك أيضا نعم، قال: يقال إن الرغيف لا يستدير حتى يعمل فيه ثلاثمائة وستون صنعة من السماء والأرض وما بينهما من الأجسام والأعراض والأفلاك والرياح والليل والنهار وبني آدم وصنائعهم والبهائم ومعادن الأرض، أوّلها ميكائيل الذي يكيل الماء من الخزائن فيفرغه على السحاب ثم السحاب التي تحمله فيرسله ثم الرياح التي تحمل السحاب والرعد والبرق والملكان اللذان يسوقان السحاب وآخرها الخباز فإذا استدار رغيفاً طلب سبعة آلاف صانع كل صانع أصل من أصول الصنائع؛ فهذه كلها نعم في حضور رغيف فكيف بمازاد عليه مما وراءه، فعلى العبد بكلّ نعمة شكران طولب بشكرنعمة واحدة علي حقيقتها هلك إلا أن تغمّده رحمة من ربه فتغمره لتمام النعمة.
وروينا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك تمام النعمة، فقال: هل تدري ماتمام النعمة؟ قال: لا، قال: دخول الجنة وقيل لبعض الحكماء: ما النعيم؟ قال: الغني فإني رأيت الفقير لا عيش له، قيل: زدنا، قال العافية فإني رأيت السقيم لا

اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 350
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست