responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 348
العباد وأي حيلة كانت لهم فله الحمد كله وله الشكر كله كما هو مستحقه وأهله بحمده لنفسه، ولا ينبغي إلا له سبحانه وتعالى، كما ينبغي لكرم وجهه وعزّ جلاله إذ كان ولم يزل على ما هو الآن ولايزال أبداً على ما كان من الأوصاف والنعوت التامات والأسماء الحسنى والأمثال العلى، ومعرفة هذا هو شكر العارفين ومشاهدته هو مقام المقربين فشكر هؤلاء للّّه تعالى لأجل الله تعالى ودعاء هؤلاء التحميد والتقديس وأعمالهم الإجلال والتعظيم للأجل وسؤالهم تجلّي الصفات والنصيب من مشاهدة معاني الذات ووصف هذا لا يوصف وشرحه بالمعقول لا يعرف، وهذا داخل في مشاهدة قوله لمن شهد سر الكلام إذ يقول عزّ وجلّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ) الشورى: 11 وعن هذه المشاهدة اغتبط موسى عليه السلام بالربوبية وأنس بالتقريب فانبسط بالتمكين فقال لي: ما ليس لك فقال: الله تعالى وما هو، فقال لي: مثلك وليس لك مثل نفسك فقال عزّ وجلّ: صدقت، يعني لي أنت على هذه الأوصاف التي هي غاية الطالبين ولا مزيد عليها للراغبين وليس لك كأنت إذ ليس كمثلك شيء وأن لا إله إلا أنت، فمن غامض النعم الشكر على هذه المعاني ما روي عنك وصرفه من فضول الدنيا فإنه أقل للشغل والإهتمام وأيسر للحساب، ثم ابتلي به غيرك من الدنيا مما شغله به عنه وقطعه دونه، ففي صرف الدنيا عنك وابتلاء غيرك بها نعمتان عليهما شكران وكذلك إذا رأيت مبتلي في دينه بصفات المنافقين أو مبتلي بنفسه بأخلاق المتكبرين أومنهما فيما عليه من أفعال الفاسقين عددت جميع ذلك نعماً من الله تعالى عليك إذ لم يجعلك كذلك لأنك قد كنت أنت ذاك لولا فضل الله عليك ورحمته فتحسب كل ما وجه إلى غيرك من الشرّ أو صرفه عنك من الخيران تعده نعماً عليك بمثل ما وجه إلىك من الخير وصرف عنك من الشرّ لأن النفوس كنفس واحدة في الأمر بالسوء والمشيئة والقدرة واحدة فقد رحمك بما صرف عنك من السوء فذلك من فضل الله تعالى عليك فمعرفته بذلك شكر منك لله تعالى وأكثر عقوبات الخلق من قلة الشكر على النعم وأصل قلة الشكر الجهل بالنعمة، وسبب الجهل بالنعمة قصور العلم بالله تعالى وطول الغفلة عن المنعم وترك التفكر في نعمه والتذكر لآلائه، ومنه سبحانه وتعالى فقد أمر بذلك في قوله تعالى: (فَاذْكُرُوا آلاءَ الله لَعَلَّكُمُ تُفْلِحُونَ) الأعراف: 69 قيل: نعمه.
وقال المفسرون: واذكروا نعمة الله عيكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به وبمعناه قوله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكبِّرُوا الله على مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) البقرة: 185، يعني على نعمة الهداية وتوفيق الطاعة فإذا جهل العبد النعمة لم يعرفها، وإذا لم يعرفها لم يشكر عليها وإذا لم يشكر عليها انقطع مزيده، ومن انقطع عنه المزيد فهو في نقصان ما أدّعى وأيضاً فإن من لم يشكر النعم لجهله بها لم يؤمن عليه

اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 348
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست