اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 347
بالمحاربة، ثم أنا الثائر لوليّ لا أكلّ نصرته إلى غيري.
وعن جعفر الصادق رضي الله عنه في معنى هذه النعم التي أوجبنا الشكر في إخفائها قال: إن الله تعالى خبأ ثلاثاً في ثلاث، رضاه في طاعته، فلا تحتقروا منها شيئاً لعلّ رضاه فيه، وخبأ غضبه في معاصيه، فلا تحتقروا منها شيئاً لعلّ غضبه فيه، وخبأ ولايته في عباده المؤمنين، فلا تحتقروا منهم أحداً لعلّه وليّ الله تعالى، ويكون مثل ذلك مثل من آذى نبيّاً وهو لا يعلم بنبوّته وإن الله تعالى نبأه قبل أن يخبره أنه نبيّ الله عزّ وجلّ ورسوه إليه فلا يكون وزره وزر من انتهك حرمة نبي قد أعلمه أنه نبيّ الله تعالى لعظيم حرمة النبوّة، وللشاكرين طريقان: أحدهما أعلى من الآخر أوّلهما شكر الراجين وهو حسن المعاملة لما أملوه ورجوه من ظواهر النعم فعملوا رجاء إتمامها فكان حالهم المسارعة والمسابقة إلى الأعمال الصالحة شكراً لما ابتدأهم به وخصّهم دون سائر خلقه، وأعلاهما شكر الخائفين وهو خوف سوء الخاتمة والإشفاق من درك الشقاء بحكم السابقة نعوذ بالله تعالى منه فكان خوفهم دليلاً على اغتباطهم بموهبة الإيمان، وكان اغتباطهم يدل على عظيم قدر الإسلام في قلوبهم ونفيس مكانه عندهم فعظمت النعمة به عليهم فمعرفتهم بذلك هو شكرهم فصارالخوف والإشفاق طريقاً لهم في الشكر للرازق.
وقد جعل الله تعالى ذلك نعمة وكل نعمة تقتضي شكراً في قوله تبارك وتعالى: (قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذينَ يَخَافُونَ أنْعم اللهُ عَلَيْهِما) المائدة: 23 قال بعض المفسرين: أنعم الله عليهما بالخوف وهذا أحد وجهي الكلام ولو لم يشكر العبد مولاه إلا أنه تبارك وتعالى على هذه الأوصاف والأخلاق التي هي صفاته وأخلاقه من نهاية الكرم والجود الذي لا غاية له ومن غاية التفضّل والحلم الذي لا نهاية له، فلما كان تبارك وتعالى بهذه الأخلاق المرجوّة والصفات الحسنى وجب أن يشكره العبيد لأجله تعالى لا لأجل نعمه وأفعاله؛ وهذا ذكر المحبين إذ لو كان الله تعالى على غير هذه الصفات والأخلاق التي عرفه بها العارفون ولا بدّ لهم منه أي شيء كان يصنع
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 347