اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 454
فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تاصنيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم، كما قال1:
فاتني أن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أرى الديار بسمعي
1483- وإني أخبر عن حالي: ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أره، فكأني وقعت على كنز، ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفه في المدرسة النظمية[2]؛ فإذا به يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد، وفي ثبت كتب أبي حنيفة، وكتب الحميدي، وكتب شيخنا عبد الوهاب، وابن ناصر، وكتب أبي محمد بن الخشاب -وكانت أحمالًا- وغير ذلك من كل كتاب أقدر عليه، ولو قلت: إني طالعت عشرين ألف مجلد، كان أكثر، وأنا بعد في الطلب! فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم: ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري[3] ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب. ولله الحمد.
1 هو للشريف الرضي، ديوانه "[1]/ 500". [2] المدرسة الكبرى التي أنشأها الوزير نظام الملك الحسن بن علي الطوسي ببغداد، وبدئ التدريس فيها سنة "459هـ". [3] محمد بن أبي نصر فتوح الحميدي الأندلسي الميورقي، الفقيه، ولد قبل سنة "420هـ" واستوطن بغداد، وتوفي سنة "488هـ".
339- فصل: أثر قلة العقل وترك إعماله
1484- ليس للآدمي أعز من نفسه، وقد عجبت ممن يخاطر بها، ويعرضها للهلاك! والسبب في ذلك قلة العقل، وسوء النظر؛ فمنهم من يعرضها للتلف، ليمدح بزعمه، مثل قوم يخرجون إلى قتل السبع! ومنهم من يصعد إلى إيوان كسرى[1]، ليقال: شاطر! وساع يمشي ثلاثين فرسخًا! وهؤلاء إذا تلفوا، حملوا إلى النار؛ فإن هلك، ذهبت النفس التي يراد المال لأجلها. [1] قال ياقوت: رأيته وقد بقي منه طاق الإيوان فحسب، وهو مبني بآجر، طول كل أجرة نحو ذراع في عرض أقل من شبر، وهو عظيم جدًّا، وهو من بناء كسرى أبرويز.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 454