اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 412
الدواء، ويعلم أن جودة الثمر ثم على مقدار جودة البذر هاهنا، فهو يتخير الأجود، ويغتنم الزرع في تشرين[1] العمر من غير فتور، ثم يتخايل المؤمن دخول النار والعقوبة، فيتنغص عيشه، ويقوى قلقه، فعنده بالحالين شغل عن الدنيا وما فيها، فقلبه هائم في بيداء الشوق تارة، وفي صحراء الخوف أخرى، فما يرى البنيان.
فإذا نازله الموت، قوي ظنه بالسلامة[2]، ورجا لنفسه النجاة، فيهون عليه، فإذا نزل إلى القبر، وجاءه من يسألونه، قال بعضهم لبعض: دعوه، فما استراح إلا الساعة.
نسأل الله -عز وجل- يقظة تامة، تحركنا إلى طلب الفضائل، وتمنعنا من اختيار الرذائل؛ فإنه إن وفق؛ وإلا فلا نافع. [1] تشرين: موسم الزراعة الشتوية. [2] في الأصل: قوّى ظنَّه الملائكةُ.
306- فصل: كمال الصورة اعتدالها
1346- لقد اعتبرت على مولاي سبحانه وتعالى أمرًا عجيبًا، وهو أنه تعالى لا يختار لمحبته، والقرب منه: إلا الكامل صورة ومعنى. ولست أعني حسن التخاطيط[1]؛ وإنما كمال الصورة اعتدالها، والمعتدلة ما تخلو من حسن، فيتبعها حسن الصورة الباطنة، وهو كمال الأخلاق، وزوال الأكدار، ولا يرى في باطنه خبثًا ولا كدرًا، بل قد حسن باطنه كما حسن ظاهره. وقد كان موسى عليه السلام كل من رآه يحبه، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم كالقمر ليلة البدر[2].
1347- وقد يكون الولي أسود اللون؛ لكنه حسن الصورة، لطيف المعاني.
فعلى قدر ما عند الإنسان من التمام في كمال الخلق والخلق يكون عمله، ويكون تقريبه إلى الحضرة بحسب ذلك، فمنهم كالخادم على الباب، ومنهم حاجب، ومنهم مقرب، ويندر من يتم له الكمال، ولعله لا يوجد في مائة سنة منهم غير واحد، وهذه [1] التخاطيط: القسمات والملامح. [2] أخرجه البخاري "3552" عن البراء رضي الله عنه.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 412