responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 358
254- فصل: خادم السلطان يخشى على دينه ودنياه
1179- طال تعجبي من مؤمن بالله عز وجل، مؤمن بجزائه، يؤثر خدمة السلطان، مع ما يرى منه من الجور الظاهر، فوا عجبًا! ما الذي يعجبه؟! إن كان الذي يعجبه دنيويًّا، ليس ثم إلا أن يصاح بين يديه "بسم الله"، وأن يتصدر في المجالس، ويلوي عنقه كبرًا على النظراء، ويأخذ الأحسات[1]، وهو يعلم من أين حصل، وربما انبسط في البراطيل[2].
ثم يقابل هذا أن يصادر، ويعزل، فتستخرج منه تلك المرارة كل حلاوة كانت في الولاية، وربما كان قريب الحال[3]، فافتقر بالمصادرة جدًّا، ثم تنطلق الألسن المادحة بالذم. ثم لو سلم من هذا، فإنه لا يسلم من الرقيب له، والحذر منه، فهو كراكب البحر، إن سلم بدنه من الغرق، لم يسلم قلبه من الخوف.
وإن كان دينًا؛ فإنه يعلم أنهم لا يمكنونه في الغالب من العمل بمقتضى الدين،

[1] الأسحات: جمع سحت وهو المال الحرام.
[2] البرطيل: الرشوة.
[3] أي بين الفقر والغنى.
وكذلك جميع ما يخاف إظهاره، لا تتكلمن به، فربما وقعت كلمة أسقطت بها عز السلطان، فنقلت إليه، فكانت سبب هلاكك، أو عن صديق، فكانت سبب عداوته، أو صرت رهينًا لمن سمعها، خائفًا أن يظهرها. فالحزم كتمان الحبِّ والبُغْضِ.
1178- وكذا ينبغي أن تكتم سنك، فإن كنت كبيرًا، استهرموك، وإن كنت صغيرًا، استحقروك، وكذلك مقدار مالك، فإنه إن كان كثيرًا، نسبوك في نفقتك إلى البخل، وإن كان قليلًا، طلبوا الراحة منك، وكذلك المذهب، فإنك إن أظهرته، لم تأمن أن يسمعه مخالف، فيقطع بكفرك، وقد أنشدنا محمد بن عبد الباقي البزاز:
احفظ لسانك لاتبح بثلاثَةٍ ... سنٍّ ومالٍ ما استطعت ومذهب
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثةٍ ... بمموِّهٍ وممخرِقٍ ومكذِّبِ
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 358
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست