اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 357
1173- وثم نكتة عجيبة، وهو أنك ربما عملت بمقتضى الحال الحاضرة، وهي تحكم بكمال الحب، ثم إن ذلك لا يثبت إليك، فتقع، وتبقى مقهورًا، ويصعب عليك الخلاص! وربما تمكنت منك بمعرفة سرك، أو بأخذ كثير من مالك.
1174- ومن أحسن ما بلغني في هذا أن جارية لبعض الخلفاء كانت تحبه حبًّا شديدًا، ولا تظهر له ذلك، فسئلت عن هذا؟ فقالت: لو أظهرت ما عندي، فجفاني، هلكت، قال الشاعر:
لا تظهرن مودة لحبيب ... فترى بعينك منه كل عجيبِ
أظهرت يومًا للحبيب مودتي ... فأخذت من هجرانه بنصيبِي
1175- وكذا ينبغي أن تكتم بعض حبك للولد؛ لأنه يتسلط عليك، ويضيع مالك، ويبالغ في الإدلال، ويمتنع عن التعلم والتأدب.
1176- وكذلك إذا اصطفيت صديقًا وخبرته، فلا تخبره بكل ما عندك، بل تعاهده بالإحسان، كما تتعاهد الشجرة، فإنها إذا كانت جيدة الأصل، حسنت ثمرتها بالتعاهد، ثم كن منه على حذر، فقد تتغير الأحوال، وقد قيل:
احذر عدوك مرةً ... واحذر صديقك ألف مرهْ
فلربما انقلب الصديْ ... قُ فكان أدرى بالمضرهْ
253- فصل: لا تظهر بغضك لمن تبغضه
1177- وأما إذا أبغضت شخصًا؛ [لأنه يسوؤك] ، فلا تظهرن ذلك؛ فإنك تنبهه على أخذ الحذر منك، وتدعوه إلى المبارزة، فيبالغ في حربك والاحتيال عليك، بل ينبغي أن تظهر له الجميل إن قدرت، وتبره ما استطعت، حتى تنكسر[1] معاداته بالحياء[2] من بغضك، فإن لم تطق، فهجر جميل، لا تبين فيه ما يؤذي، ومتى سمعت عنه كلمة قذعة، فاجعل جوابها كلمة جميلة، فهي أقوى في كف لسانه. [1] في الأصل: فانكسرت. [2] في الأصل: جبلة.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 357