اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 291
يتلطف ببدنه، فيختار الماء البائت[1]، ويحب الحلوى واللحم.
923- ولولا مساكنة نوع غفلة، لما صنف العلماء، ولا حفظ العلم، ولا كتب الحديث؛ لأن من يقول: ربما مت اليوم، كيف يكتب؟ وكيف يسمع ويصنف؟! فلا يهولنكم ما ترون من غفلة الناس عن الموت، وعدم ذكره حق ذكره؛ فإنها نعمة من الله سبحانه، بها تقوم الدنيا ويصلح الدين.
924- وإنما تذم قوة الغفلة الموجبة للتفريط، وإهمال المحاسبة للنفس، وتضييع الزمان في غير التزود، وربما قويت فحملت على المعاصي.
فأما إذا كانت بقدر، كانت كالملح في الطعام، لا بد منه، فإن كثر؛ صار الطعام زعاقًا[2]. فالغفلة تمدح إذا كانت بقدر كما بينا، ومتى زادت، وقع الذم.
فافهم ما قلته، ولا تقل: فلان شديد اليقظة ما ينال الليل، وفلان غافل ينام أكثر الليل، فإن غفلة توجب مصلحة البدن والقلب لا تذم والسلام. [1] كانوا يبيتون الماء في العراء ليبرد. [2] الزعاق: شديد الملوحة، في الأصل: زعافًا، وهو تصحيف.
201- فصل: من راءى الخلق عبدهم وهو لا يعلم
925- ما يكاد يحب الاجتماع بالناس إلا فارغ؛ لأن المشغول القلب بالحق يفر من الخلق، ومتى تمكن فراغ القلب من معرفة الحق، امتلأ بالخلق، فصار يعمل لهم، ومن أجلهم، ويهلك بالرياء، ولا يعلم.
926- وإني لأتامل بعض[3] من يتزيا بالفقر والتصوف، وهو يلبس ثيابًا لا تساوي دينارًا، وعنده المال الكثير، وقد أمرح[4] نفسه في المطاعم الشهية، وهو عامل بمقتضى الكبر والتصدر، فيتقرب إلى أرباب الدنيا، ويستزري أرباب العلم، ويزور أولئك دونهم؛ وإنما يرد ما يعطى ليشيع له اسم زاهدٍ، فتراه يربي الناموس، وهو في احتياله كثعلب، وفي نهوضه إلى أغراضه في الباطن كلب شري. فأقول: [3] في الأصل: زيادة "على" قبل كلمة "بعض"، ولا وجه لها. [4] كذا في الأصل، ولعلها: أمرع، أي: أشبع. والله أعلم.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 291