اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 277
فالذي لا يبالي بذلك هو الذي لا يذوق طعم العلم، ولا يدري ما المراد به، وكأنه به وقد وقع في بادية جزر[1]، وقفر مهلك في تلك البراري.
877- وكذلك المتزهد إذا خالط وخلط؛ فإنه يخرج إلى الرياء والتصنع والنفاق، فيفوته الحظان، لا الدنيا ونعيمها تحصل له، ولا الآخرة، فنسأل الله -عز وجل- خلوة حلوة، وعزلة عن الشر لذيذة، يستصلحنا فيها لمناجاته، ويلهم كلا منا طلب نجاته، إنه قريب مجيب. [1] الجزر: القاحلة.
189- فصل: الاستعداد للموت
878- ما أبله من لا يعلم متى يأتيه الموت، وهو لا يستعد للقائه! وأشد الناس بلهًا وتغفيلًا من قد عبر الستين، وقارب السبعين -فإن ما بينهما هو معترك المنايا، ومن نازل المعترك، استعد- وهو مع ذلك غافل عن الاستعداد.
قال الشباب: لعلنا في شيبنَا ... ندع الذنوبَ، فما يَقُوْلُ الأَشْيَبُ؟
والله، إن الضحك من الشيخ ما له معنى، وإن المزاح منه بارد المعنى، وإن تعرضه بالدنيا -وقد دفعته عنها- يضعف القوى، ويضعف الرأي. وهل بقي لابن ستين منزل؟!
879- فإن طمع في السبعين؛ فإنما يرتقي إليها بعناء شديد: إن قام، دفع الأرض، وإن مشى، لهث، وإن قعد، تنفس، ويرى شهوات الدنيا، ولا يقدر على تناولها، فإن أكل، كد المعدة، وصعب الهضم، وإن وطئ، آذى المرأة، ووقع دنفًا[1]، لا يقدر على رد ما ذهب من القوة إلى مدة طويلة، فهو يعيش عيش الأسير.
880- فإن طمع في الثمانين، فهو يزحف إليها زحف الصغير.
وعشر الثمانين من خاضها ... فإن الملمات فيها فنون [1] الدنف: الذي أثقله المرض.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 277