responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 276
874- وما رأيت مثل ما يصنع المخالط؛ لأنه يرى حالته الحاضرة من لقاء الناس وكلامهم، فيشتغل بها عما بين يديه، فمثله كمثل رجل يريد سفرًا قد أزف[1]، فجالس أقوامًا، فشغلوه بالحديث، حتى ضرب البوق[2] وما تزود!
فلو لم يكن في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل، والسلامة من شر المخالطة، كفى.
875- ثم لا عزلة على الحقيقة إلا للعالم والزاهد، فإنهما يعلمان مقصود العزلة، وإن كانا لا في عزلة.
أما العالم، فعلمه مؤنسه، وكتبه محدثه، والنظر في سير السلف مقومه، والتفكير في حوادث الزمان السابق فرجته، فإن ترقى بعلمه إلى مقام المعرفة الكاملة للخالق سبحانه، وتشبث بأذيال محبته: تضاعفت لذاته، واشتغل بها عن الأكوان وما فيها، فخلا بحبيبه، وعمل معه بمقتضى علمه.
وكذلك الزاهد، تعبده أنيسه، ومعبوده جليسه، فإن كشف لبصره عن المعمول معه، غاب عن الخلق، وغابوا عنه؛ إنما اعتزلا ما يؤذي، فهما في الوحدة بين جماعةٍ.
فهذان رجلان قد سلما من شر الخلق، وسلم الخلق من شرورهما؛ بل هما قدوة للمتعبدين، وعلم للسالكين، ينتفع بكلامهما السامع، وتجري موعظتهما المدامع، وتنشر هيبتهما في المجامع؛ فمن أراد أن يتشبه بأحدهما، فليصابر الخلوة، وإن كرهها، ليثمر له الصبر العسل.
876- وأعوذ بالله من عالم مخالط للعالم، خصوصًا لأرباب المال والسلاطين، يجتلب ويجتلب[3]، [ويختلب] ويختلب[4]، فما يحصل له شيء من الدنيا إلا وقد ذهب من دينه أمثاله.
ثم أين الأنفة من الذل للفساق؟!

[1] أزف: دنا واقترب.
[2] ضرب البوق: إيذان بالسفر.
[3] ينتفع وينفع.
[4] يَخدَع ويُخدع.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 276
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست