اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 242
يطلع الله -عز وجل- عليها من شاء من عباده، ويوفقه لكشفها، فيجمع ما فرق، أو يرتب ما شتت، أو يشرح ما أهمل، هذا هو التصنيف المفيد.
745- وينبغي اغتنام التصنيف في وسط العمر؛ لأن أوائل العمر زمن الطلب، وآخره كلال[1] الحواس. وربما خان الفهم والعقل من قدر عمره؛ وإنما يكون التقدير على العادات الغالبة؛ لأنه لا يعلم الغيب. فيكون زمان الطلب والحفظ والتشاغل إلى الأربعين.
746- ثم يبتدئ بعد الأربعين بالتصانيف والتعليم، هذا إذا كان قد بلغ مع ما يريد من الجمع والحفظ، وأعين على تحصيل المطالب.
فأما إذا قلت الآلات عنده من الكتب، أو كان في أول عمره ضعيف الطلب، فلم ينل ما يريده في هذا الأوان، أخر التصانيف إلى تمام خمسين سنة، ثم ابتدأ بعد الخمسين في التصنيف والتعليم إلى رأس الستين.
747- ثم يزيد فيما بعد الستين في التعليم، ويسمع الحديث والعلم، ويقلل[2] التصانيف إلا[3] أن يقع مهم إلى رأس السبعين.
748- فإذا جاوز السبعين، جعل الغالب عليه ذكر الآخرة والتهيؤ للرحيل، فيوفر نفسه على نفسه، إلا من تعليم يحتسبه، أو تصنيف يفتقر إليه؛ فذلك أشرف العدد للآخرة.
ولتكن همته في تنظيف نفسه، وتهذيب خلاله[4]، والمبالغة في استدراك زلاته، فإن اختطف في خلال ما ذكرناه، فـ"نيبة المؤمن خير من عمله"، وإن بلغ إلى هذه المنازل، فقد بينا ما يصلح لكل منزل.
749- وقد قال سفيان الثوري: من بلغ سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليتخذ لنفسه كَفَنًا. وقد بلغ جماعة من العلماء سبعًا وسبعين سنةً، منهم أحمد بن حنبل، فإن [1] الكلال: التعب والوهن. [2] أي: يقلل في التصنيف إلا أن يقع أمر مهم يستوجب ذلك. وفي الأصل: يعلل، وهو تصحيف. [3] في الأصل: إلى. [4] الخلال: الخصال.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 242