اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 192
فإنه إذا استنفدها في وقتٍ، ضاعت منها أوقات: كما أن الشره يأكل فضل لقيماتٍ، فيكون سببًا إلى منع أكلاتٍ!
والصواب أن يأخذ قدر ما يطيق، ويعيده في وقتين من النهار والليل، ويرفه القوى في بقية الزمان.
579- والدوام أصل عظيم، فكم ممن ترك الاستذكار بعد التحفظ، فضاع زمن طويل في استرجاع محفوظ قد نسي.
580- وللحفظ أوقات من العمر، فأفضلها الصبا، وما يقاربه من أوقات الزمان، وأفضلها عادة الأسحار، وأنصاف النهار، والعدوات خير من العشيات، وأوقات الجوع خير من أوقات الشبع.
581- ولا يحمد الحفظ بحضرة خضرة، وعلى شاطئ نهر؛ لأن ذلك يلهي، والأماكن العالية للحفظ خير من السوافل.
582- والخلوة أصل. وجمع الهم أصل الأصول، وترفيه النفس من الإعادة يومًا في الأسبوع: ليثبت المحفوظ، وتأخذ النفس قوة، كالبنيان يترك أيامًا حتى يستقر، ثم يبنى عليه.
583- وتقليل المحفوظ مع الدوام أصل عظيم. وألا يشرع في فن حتى يحكم ما قبله. ومن لم يجد نشاطًا للحفظ، فليتركه، فإن مكابرة النفس لا تصلح.
584- وإصلاح المزاج من الأصول العظيمة، فإن للمأكولات أثرًا في الحفظ[1]: قال الزهري: ما أكلت خلًّا منذ عالجت الحفظ. وقيل لأبي حنيفة: بم يستعان على حفظ الفقه؟ قال: بجمع الهم. وقال حماد بن سلمة[2]: بقلة الغَمِّ. [1] ربما فتح هذا بابًا للمشعوذين كما حصل للمؤلف رحمه الله، إذ وصف له حب البلاذر "SEMECARPUC ANARDIUN" - وهو نبات ثمره شبيه بنوى التمر، ولبه مثل لب الجوز حلو، وقشره متخلخل متثقب، قيل: إنه يقوي الحفظ، ولكن الإكثار منه يسقط الشعر، فأكل منه ليزداد حفظه، فسقطت لحيته، وبقيت خفيفة قصيرة. [2] حماد بن سلمة بن دينار البصري، مفتي البصرة، شيخ الإسلام عالم زاهد، مشهور توفي سنة "167هـ".
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 192