اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 179
نفشت[1] في زروع التُّقَى.
531- وما مثل الهوى إلا كسبع في عنقه سلسلة، فإن استوثق منه ضابطه، كفه، وربما لاحت له شهواته الغالبة عليه، فلم تقاومها السلسلة، فأفلت، على أن من الناس من يكف هواه بسلسلة، ومنهم من يكفه بخيط! فينبغي للعاقل أن يحذر شياطين الهوى، وأن يكون بصيرًا بما يقوى عليه من أعدائه، وبمن يقوى عليه. [1] نفشت: رعت ورتعت.
112- فصل: آفة الصداقة الحسد.
532- من أعظم الغلط: الثقة بالناس، والاسترسال إلى الأصدقاء، فإن أشد الأعداء وأكثرهم أذى الصديق المنقلب عدوًا؛ لأنه قد اطلع على خفي السر، قال الشاعر1:
احذر عدوك مرةً ... واحذر صديقك ألف مرهْ
فلربما انقلب الصديْـ ... ـق فكان أعلم بالمضرهْ
533- واعلم أن من الأمر الموضوع في النفوس الحسد على النعم، أو الغبطة[2]، وحب الرفعة! فإذا رآك من يعتقدك مثلًا له، وقد ارتقيت عليه، فلا بد أن يتأثر، وربما حسد؛ فإن إخوة يوسف عليهم السلام من هذا الجنس، جرى لهم ما شأنهم.
فإن قلت: كيف يبقى الإنسان بلا صديق؟!
قلت لك: أتراك ما تعلم أن المجانس يحسد، وأن أكثر العوام يعتقدون في العالم أنه لا يتبسم، ولا يتناول من شهوات الدنيا شيئًا؛ فإذا رأوا بعض انبساطه في المباح، هبط من أعينهم؟! فإذا كانت هذه حالة العوام، وتلك حالة الخواص، فمع من تكون المعاشرة؟!
لا، بل والله ما تصح المعاشرة مع النفس؛ لأنها متلونة. [1] هو، علي بن عيسى انظر محاضرات الراغب "3/ 34". [2] الغبطة: أن تتمنى لنفسك مثل ما لأخيك من نعمة دون أن تتمنى زوالها عنه.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 179