اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 178
إبلهم، لئلا تتناول ما ليس لهم، فكأنهم قالوا: قد رأيتم ما صنعنا بإبلنا، فكيف نسرق؟! ونسوا هم تفاوت ما بين الورع واختطاف أكلة لا يملكونها، وبين إلقاء يوسف عليه السلام في الجب[1] وبيعه بثمن بخس!!
528- وفي الناس من يطيع في صغار الأمور، دون كبارها، وفيما كلفته عليه خفيفة أو معتادة، وفيما لا ينقص شيئًا من عادته في مطعم وملبس، نرى أقوامًا يأخذون الربا، ويقول أحدهم: كيف يراني عدوي بعد أن بعت داري، أو تغير ملبوسي ومركوبي؟!
529- ونرى أقوامًا يوسوسون في الطهارة، ويستعملون الكثير من الماء، ولا يتحاشون من غيبة! وأقوامًا يستعملون التأويلات الفاسدة في تحصيل أغراضهم، مع علمهم أنها لا تجوز!
حتى إني رأيت رجلًا من أهل الخير والتعبد، أعطاه رجل مالًا ليبني به مسجدًا، فأخذه لنفسه، وأنفق عوض الصحيح قراضة[2]، فلما احتضر، قال لذلك الرجل: اجعلني في حل، فإني فعلت كذا وكذا!! ونرى أقوامًا يتركون الذنوب لبعدهم عنها؛ فقد ألفوا الترك، وإذا قربوا منها، لم يتمالكوا، وفي الناس من هذه الفنون عجائب يطول ذكرها.
530- وقد علمنا أن خلقًا من علماء اليهود كانوا يحملون ثقل التعبد في دينهم، فلما جاء الإسلام، وعرفوا صحته، لم يطيقوا مقاومة أهوائهم في محو رئاستهم[3].
وكذلك قيصر؛ فإنه عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدليل، ثم لم يقدر على مقاومة هواه وترك ملكه[4].
فالله الله في تضييع الأصول، ومن إهمال سرح الهوى، فإنه إن أهملت ماشيته، [1] الجب: البئر. [2] القراضة: الدنانير أو الدراهم المكسورة، وقيمتها أقل من الصحيحة. [3] انظر الآية "89" من سورة البقرة. [4] انظر حديثه في البخاري "7"، ومسلم "1773" عن ابن عباس عن أبي سفيان رضي الله عنه.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 178