اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 83
وأجمعوا عَلَى أن يخرجوا عَلَى عَلِيّ بْن أبي طالب فكان لا يزال يجيء إنسان فيقول يا أمير المؤمنين إن القوم خارجون عليك فيقول دعوهم فإني لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسوف يفعلون فلما كان ذات يوم أتيته صلاة الظهر فقلت لَهُ يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي أدخل عَلَى هؤلاء القوم فأكلمهم فَقَالَ إني أخاف عليك فقلت كلا وكنت رجلا حسن الخلق لا أؤذي أحدا فأذن لي فلبست حلة من أحسن مَا يكون من اليمن وترجلت فدخلت عليهم نصف النهار فدخلت عَلَى قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادا جباههم قرحة من السجود وأياديهم كأنها ثفن[1] الإبل وعليهم قمص مرحضة مشمرين مسهمة وجوههم من السهر فسلمت عليهم فقالوا مرحبا بابن عَبَّاس مَا جاء بك فقلت أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار ومن عند صهر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله مِنْكُمْ فقالت طائفة منهم لا تخاصموا قريشا فَإِن اللَّه عز وجل يَقُول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} فَقَالَ اثنان أَوْ ثَلاثَة لنكلمنه فقلت هاتوا مَا نقمتم عَلَى صهر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمهاجرين والأنصار وعليهم نزل القرآن وليس فيكم منهم أحد وَهُوَ أعلم بتأويله قالوا ثلاثا قلت هاتوا قالوا أما أحداهن فانه حكم الرجال فِي أمر اللَّه وَقَدْ قَالَ اللَّه عز وجل: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} فما شأن الرجال والحكم بعد قول اللَّه عز وجل فقلت هذه واحدة وماذا قالوا وأما الثانية فانه قاتل وقتل ولم يسب ولم يغنم فَإِن كانوا مؤمنين فلم حل لنا قتالهم وقتلهم ولم يحل لنا سبيهم قلت وما الثالثة قالوا فإنه محا عَنْ نفسه أمير المؤمنين فإنه إن لم يكن أمير المؤمنين فانه لأمير الكافرين قلت هل عندكم غير هَذَا قالوا كفانا هَذَا قلت لهم أما قولكم حكم لرجال فِي أمر اللَّه أنا أقرأ عليكم فِي كتاب اللَّه مَا ينقض هَذَا فَإِذَا نقض قولكم أترجعون قالوا نعم قلت فَإِن اللَّه قد صير من حكمه إِلَى الرجال فِي ربع درهم ثمن أرنب وتلى هذه الآية: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إِلَى آخر الآية وفي المرأة وزوجها {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} إِلَى آخر الآية فنشدتكم بالله هل تعلمون حكم الرجال فِي إصلاح ذات بينهم وفي حقن دمائهم أفضل أم حكمهم فِي أرنب وبضع امرأة فأيهما ترون أفضل قالوا بل هذه قلت خرجت من هذه قالوا نعم قلت وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم فتسبون أمكم عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فوالله لئن قلتم ليست بأمنا لقد خرجتم من الإسلام ووالله لئن قلتم لنسبينها ونستحل منها مَا نستحل من غيرها لقد خرجتم من الإسلام. [1] الثفن: جمع ثفنة ركبة البعير وغيرها مما يحصل فيه غلظ من أثر البروك.
اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 83