اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 76
9- التربية الإسلامية تربية متدرجة:
قلنا إن هدف التربية الإسلامية بلوغ الكمال الإنساني بالتدريج. وهذا التدرج صفة مميزة للتربية الإسلامية؛ ذلك أن التربية الإخلاقية تتأتى للفرد بالتدرج. وقد كان الإسلام نفسه في أول أمره تربية متدرجة للعرب ... فقد نزلت آياته وأحكامه بالتدرج لفترة تزيد عن ثلاث وعشرين سنة.
ويعتبر التدرج في التربية الأخلاقية أساسا من الأسس المعروفة في التربية الإسلامية. فالتربية نفسها عملية أخلاقية واكتساب الأخلاق بما فيها التحلي بالفضائل والترفع عن الرذائل عملية تحتاج إلى وقت حتى يكتسب الإنسان السلوك المطلوب والعادة المرغوبة. إن الإسلام في تربيته للمسلمين الأوائل لم ينتقل بهم طفرة من أخلاقهم القديمة إلى الأخلاق الإسلامية الجديدة. إنما تدرج معهم في الأمور حتى تؤتي التربية نتائجها وثمارها. وهكذا لم يكلف المسلمون في أول عهدهم بالإسلام بما يشق عليهم فعله أو تركه. وسلك الإسلام بهم سبيل التدرج والرفق حتى يتهيئوا للتكليف فالصلاة مثلا في أول الأمر لم تفرض عليهم خمس مرات في اليوم بل طلبت منهم بالغداة والعشي، ولم تفرض عليهم الزكاة والصيام إلا بعد الهجرة بسنة، وكان التكليف قبل ذلك بما استطاعوا من صدقة أو صوم. ومن المعروف أيضا أن تحريم الخمر على المسلمين تم على مراحل، وبعد أن تدرج القرآن معهم حتى انتهى بهم إلى تحريمه بطريقة طبيعية. ولم يحرم عليهم الميسر وكثيرا من عقود الزواج والربا والمعاملات التي كانت يتعاملون بها في جاهليتهم إلا بالمدينة. "عبد الوهاب خلاف: ص289".
وقد اهتم الإسلام بتوفير الضمانات المناسبة لتنشئة الخلف الصالح فأوصانا بأن نتخير من البداية لنطفنا فإن العرق دساس. كما طالبنا باختيار الزوجة الصالحة المتدينة لأنها أساس تربية الأبناء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ورث والد ولدا خيرا من أدب حسن" وقد اهتم الإسلام بتنشئة الطفل من ولادته. ويشير الغزالي إلى أهمية المرضعة وأثر لبنها على أخلاق الطفل الرضيع، فيقول: "فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه، فإذا وقع عليه نشوء الصبي عجن طينته من الخبث فيميل طبعه إلى ما يماثل الخبائث" "الغزالي: الإحياء ج2 ص72" وقد
اسم الکتاب : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية المؤلف : مرسي، محمد منير الجزء : 1 صفحة : 76