أخو العشيرة, وبئس ابن العشيرة" لا يستحق هذا اللقاء, ويجب أن يكون يصيبه قسوة الخطاب, وعبوس الجبين.
ولكن نظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبعد مدي, وأناته أطول أمدا؛ فهو يريد تعلم الناس كيف يملكون ما في أن فسهم؛ فلا يظهر إلا في مكان أو زمان يليق إظهاره فيه.
ويريد تعليمهم أدبا من آداب الاجتماع, وهو رفق الإنسان بمن يقصد إلى زيارته في منزله, ولو كان شره في الناس فاشيا.
على أن إطلاق الجبين لمثل هذا الزائر لا يمنع من إشعاره بطريق سائغ أنك غير راض عما يشيعه في الناس من أذى, ولا يعوقك أن تعالجه بالموعظة الحسية إلا أن نكون شيطانا مريدا.
ج- من المدارة مراعاة أعراف الناس, وعاداتهم ما لم تخالف الشرع: وهذا الأدب يتجلى عندما يعظ الإنسان في مكان غير المكان الذي عاش فيه وألف؛ فربما رمته الغربة في بلد ما, فوجد خلائق أهل ذلك البلد وطباعهم وعاداتهم على غير ما يألف؛ فيحسن به- والحالة هذه- أن يراعي ما عليه أهل ذلك البلد, وأن يتجنب في وعظه منافرتهم, أو مخالفتهم, أو فيما اعتادوا عليه؛ فذلك من جميل المعاشرة, ومن حسن المداراة.
فدارهم ما دمت في دارهم ... وأرضهم ما دمت في أرضهم
وكل ذلك مشروط بألا يكون في عاداتهم محذور شرعي؛ فإن كان ثم محذور شرعي تعين تقديم الأمر الشرعي على كل عادة وعرف مع مراعاة الأسلوب الأمثل في التنبيه على ما مخالف الشرع.