responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 167
وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى الْخَصْمِ؟ .
وَاحْتَجَّ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» قَالَ: وَمِنْ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا بَيِّنَةَ أَبْيَنُ مِنْهَا: عِلْمُ الْحَاكِمِ بِالْمُحِقِّ مِنْ الْمُبْطِلِ، وَهَذَا إلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ أَقْرَبَ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَهُمْ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: " بَيِّنَتُكَ " " وَالْبَيِّنَةُ " اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ، بِحَيْثُ يَظْهَرُ الْمُحِقُّ مِنْ الْمُبْطِلِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ لِلنَّاسِ، وَعِلْمُ الْحَاكِمِ لَيْسَ بِبَيِّنَةٍ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَلَيْسَ مِنْ الْقِسْطِ: أَنْ يَعْلَمَ الْحَاكِمُ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ مَظْلُومٌ وَالْآخَرَ ظَالِمٌ، وَيَتْرُكَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ.
قَالَ الْآخَرُونَ: لَيْسَ فِي هَذَا مَحْذُورٌ، حَيْثُ لَمْ يَأْتِ الْمَظْلُومُ بِحُجَّةٍ يَحْكُمُ لَهُ بِهَا، فَالْحَاكِمُ مَعْذُورٌ، إذْ لَا حُجَّةَ مَعَهُ يُوصَلُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ إلَى حَقِّهِ، وَقَدْ قَالَ سَيِّدُ الْحُكَّامِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -: «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونُ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِيَ لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» (119) . وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ» وَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ وَحْدَهُ عُدْوَانَ رَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ وَغَصْبَهُ مَالَهُ، أَوْ سَمِعَ طَلَاقَهُ لِامْرَأَتِهِ، وَعِتْقَهُ لِعَبْدِهِ، ثُمَّ رَأَى الرَّجُلَ مُسْتَمِرًّا فِي إمْسَاكِ الزَّوْجَةِ، أَوْ بَيْعِ مَنْ صَرَّحَ بِعِتْقِهِ، فَقَدْ أَقَرَّ عَلَى الْمُنْكَرِ الَّذِي أُمِرَ بِتَغْيِيرِهِ.
قَالَ الْآخَرُونَ: هُوَ مَأْمُورٌ بِتَغْيِيرِ مَا يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ، بِحَيْثُ لَا تَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تُهْمَةٌ فِي تَغْيِيرِهِ، وَأَمَّا إذَا عَمَدَ إلَى رَجُلٍ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَلَا أَعْتَقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَلَا سَمِعَ بِذَلِكَ أَحَدٌ قَطُّ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَزَعَمَ أَنَّهُ طَلَّقَ وَأَعْتَقَ: فَإِنَّهُ يُنْسَبُ ظَاهِرًا إلَى تَغْيِيرِ الْمَعْرُوفِ بِالْمُنْكَرِ، وَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَى اتِّهَامِهِ وَالْوُقُوعِ فِي عِرْضِهِ، وَهَلْ يُسَوَّغُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْتِيَ إلَى رَجُلٍ مَسْتُورٍ بَيْنَ النَّاسِ، غَيْرِ مَشْهُورٍ بِفَاحِشَةٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِهَا، فَيَرْجُمُهُ، وَيَقُولُ: رَأَيْتُهُ يَزْنِي؟ أَوْ يَقْتُلُهُ وَيَقُولُ: سَمِعْتُهُ يَسُبُّ؟ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَيَقُولُ: سَمِعْتُهُ يُطَلِّقُ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا مَحْضُ التُّهْمَةِ؟ .

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 167
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست